الثلاثاء 24 ديسمبر 2024

حكاية بقلم اية محمد

انت في الصفحة 50 من 140 صفحات

موقع أيام نيوز


أن يستكشف نفسه بأوجه من أمامه منحه نظرة حزينة قبل أن يقترب ليقف جواره فجلى أحباله الصوتية قائلا 
_واقف كدليه يا بدر 
تسللت بسمة صغيرة لثغره وهو يجيبه باستنكار 
_مش معقول مبلغكش أن الهانم هتشرق مصر. 
قال بعدم مبالاة 
_وماله تيجي وتشرف بيت الكبير عمره ما بيتففل في وش الغرب هيتففل في وش اللي مننا! 

منحه نظرة قاتمة فاستكمليحيى حديثه بإتزان 
_اللي فات انتهى مع سفرها يا بدر حاول تنسى وبص لقدام حب وإتجوز وإنساها لا هي شبهنا ولا إحنا شبهها. 
هز رأسه بإقتناع ثم جذب جاكيته الأسود من على المقعد المقابل له ليشير بيديه 
_يلا عشان إتاخرنا. 
اتبعه للخارج ثم دق جرس الشقة المقابلة له فخرجتحور بالأكياس المغلفة ثم أشارت بغمزة مرحة لأخيها 
_عملت حسابك. 
منحها ابتسامة صافية ليتبع يحيى للأسفل ثم صعد بسيارته ليغادروا سويا لمصانع عائلة دهشان. 
عاد بفرسه الجامح كالفهد لمنزله فسلم لجامه لأحد العاملين بالأسطبل الخاص بعائلته ثم ولج للداخل لتحوم عينيه المكان بأكمله باحثا عن والدته أو أي أحدا تسللت رائحة الخبز الطازج لأنفه فأتبعها بابتسامة مشرقة حينما وجد جدته تجلس أرضا ولجوارها زوجات أعمامه يعدن العجين الطازج على المطرحة الخشبية ومن ثم تلتقطه منهما والدته لتضعه بالفرن المصنوع من الطين فعلى الرغم من إمتلاكهما لثروة لا تعد ولا تحصى الا أن جدته مازالت تتمسك بالعرف القديم مازالت تؤكد لهما بأن الخبز الذي يعد بذاك الفرن له مذاق خاص جلس آسر لجوارها ومن ثم امسك بيدها لتنتفض بفزع 
_إكده يا ولدي شيبت شعري من الړعب! 
ابتسم وهو يشاكسها 
_أنت لسه شباب يا نينا ولا أيه يا عمتو 
ضحكت ريم وهي تؤكد لها 
_امال طب ده أنتي كيف البدر في تمامه. 
اتسعت ابتسامة هنية حتى كشف عن أسنانها القليلة التي تتحلى بفكيها ثم قالت باستهزاء 
_هتأكلوا بعقلي حلاوة أنت وهي إياك! 
تداخلت راوية بالحديث المرح فيما بينهما قائلة باحترام 
_والله يا ماما الحاجة ما بيكدبوا أنتي لسه فعلا زي القمر. 
وكالعادة لم يخلو الحديث من مشاركةنادينبحديثهما حينما قالت 
_أنتي بس يا حاجة لو تسمعي كلامي وتلعبي شوية زومبا تروشك هترجعي شباب من أول وجديد. 
تساءلت باستغراب 
_زومبة دي أيه هي قمان 
إنفجرت راوية وآسرمن الضحك فتماسك وهو يخبرها بصعوبة 
_ده نوع من الموسيقى التقيلة يا نينا بس حاجة مية فل وعشرة. 
رفعت حاجبيها باستنكار 
_هو في يا ولدي زي شادية وأم كلثوم كل ده مسخرة وميتسمعش واصل. 
هز رأسه بضحكة يحاول التحكم بها فقاطعهما أحمد الذي جلس على الحصير ليضع السمن البلدي والجبن من أمام نوارة وريم مشيرا لهما بيديه 
_أهو جبتلكم المطلوب عشان تظبطوني في كان أبوري فلاحي معتبر. 
التقطت منه نوارة الجبن ثم قالت بحنان 
_بس إكده عنيا ليك يا ولدي. 
أضافت هنية بحزم 
_كتري شوية عشان يأخدوا منه للعيال وهما نازلين مصر. 
أشارت لها بحب 
_عنيا يا حاجة. 
ولج أحد الخدم للداخل ثم
وضع عينيه أرضا ليحفظ حرمة بيت كبيره قد وضع عدة قوانين لا يتخطاها الصغير قبل الكبير ليبلغهما سريعا 
_الكبير عايزك بالمندارة يا بشمهندس آسر . 
رد عليه بدهشة 
_عايزني أنا! 
أومأ برأسه فنهضآسر عن الأرض ثم لحق به ليرى ماذا هناك ولج للمندارة باحثا عنه حتى وجده يجلس على مقعده بهدوء مخيف إقترب منه وهو يتساءل بحبور 
_حضرتك طلبتني 
رفع فهد حدقتيه تجاهه فسكن الصمت فيما بينهما قليلا ثم رقع عكازه ليطرق به على المقعد الخشبي من جواره 
_إقعد. 
بهدوء إنتقل للمقعد الذي أشار عليه ومن ثم جلس ليتطلع له باهتمام لمعرفة سبب منادته له عاد الصمت ليستحوذ عليهما من جديد إلى أن مزقه فهد قائلا 
_مالك ومال وهدان المغازي يا ولدي 
ابتلع ريقه الجاف وهو يحاول السيطرة على انفعالاته بحضور والده ثم قال بتريث 
_هو اللي بدأ يا كبير وأكيد اللي بلغك بلغك باللي حصل كله. 
نهض وهو يطرق بعصاه الانبوسية الأرض بطرقة قوية تدل على غضبه 
_اللي حصل ده ميتكررش تاني أني مش مستعد أخسرك أنت كمان! 
نهض آسر هو الأخر وقد احتدت لهجته دون أن يعي لذلك 
_لا هيحصل مرة واتنين ومليون لو أي حد حاول يهين فرد من الدهاشنة وأنا مش ضعيف ولا جبان عشان اسمعه بيتمسخر عليا وأقف ساكت! 
صاح فهد بانفعال 
_ومين قالك إني هسكت لو كنت جيت وخبرتني كنت طربقتها فوق دماغه ودماغ اللي جبوه لكن وأنت بعيد. 
بتحكم عظيم بغضبه قال 
_وأنا مش عيل صغير عشان أجي اشتكيلك من حد أزعجني أنا أعرف أرجع حقي ازاي وأوقف كل حد عند حده. 
احتدت نظرات عينيه ليشير له پغضب جامح 
_بتتحداني إياك 
باحترام أجابه 
_ما عاش ولا كان اللي يتحدى كبير الدهاشنه بس حضرتك مزرعتش فينا الجبن ولا ربتنا على كده منتظر مني أعمل كده ودلوقتي 
أخفى بسمة إعجابه خلف صلابته ووجوم وجهه فأشار له بهدوء 
_اسمع يا ولدي المغازية بيحاولوا يأخدوا علينا أي سبب عشان العهد اللي بينا ينقطع والدم يرجع يسيل تاني بين العيلتين فمتبقاش أنت السبب ده.. 
هز آسر
رأسه باحترام لكلماته ثم أردف 
_هحاول أتجنبهم. 
ربت بيديه على كتفيه بابتسامة تنبع بالفخر 
_عاقل طول عمرك وبتحسبها زين. 
ثم أشار له قائلا 
_روح إرتاحلك ساعة ولا تنين قبل ما تسافر. 
أجابه بهدوء 
_لا يدوب أغير هدومي ونسافر عشان نوصل قبل بليل. 
ببسمة صافية أجابه 
_ربنا معاك يا ولدي. 
منحه ابتسامة صغيرة وإحتضنه بحب وإحترام قبل أن يصعد ليغير ملابسه ثم صعد لسيارة أحمد ليتوجهوا للقاهرة. 
بمكتب يحيى 
كنظرات الأفعى السامة التي تنتظر الفرصة المناسبة لتبخ سمها القاټل كانت تراقبه ومن ثم أخرجت من حقيبتها القطرة الطبية التي وضعتها بعينيها لتضمن بأنها تمنحها مظهر الباكية بحړقة والمحطم فوادها ابتسمت يمنى بشرار يلمع بعينيها ومن ثم حملت الملفات الموضوعة من أمامها لتتجه لمكتبه طرقت أولا وحينما استمعت لآذنه ولجت للداخل لتضع الملفات من أمامه ثم قالت بصوت حرصت لجعله حزينا للغاية 
_الملفات اللي حضرتك طلبتهم. 
تلقائيا رفع وجهه إليها حينما استمع لصوتها الغريب فضيق عينيه باستغراب وهو يتأمل عينيه اللامعة بالدموع ليتساءل باهتمام 
_أنتي كويسة 
أومأت برأسها وهي تزيح دمعاتها اللامعة بأهدابها لتجعله يثق بشكوكه تجاهها
_مفيش حاجة أنا كويسة. 
نهض يحيى عن مقعده ثم دنا منها ليشير لها على المقعد المقابل لها
_طب اقعدي نتكلم شوية. 
تراقص قلبها طربا حينمل طلب منها ذلك فجلست وهي تتصنع الحياء والرقة المصطنعة فبدأ هو بالحديث 
_حد من البيت مزعلك ولا أيه 
اجابته بحدة مصطنعة 
_صاحبك مقالكش ولا أيه 
هز رأسه بالنفي 
_لا والله مقاليش حاجة. 
ثم أضاف 
_أنا أساسا مشوفتش عمر من شهرين تلاته لان زي ما انتي شايفة انا تقريبا مش بفضى ساعة واحدة! 
ردت عليه بحزن مصطنع 
_عمركل يوم والتاني بيعمل مشاكل معايا. 
تساءل في دهشة 
_وليه بيعمل كده 
أجابته باستياء 
_لاني برفض أي عريس بيتقدملي رغم أن أغلبهم ولاد ناس وميتعيبوش . 
بعملية باحتة قال 
_طب وليه بترفضي عريس متقدملك مدام ابن ناس ومحترم! 
منحته نظرة جعلتها غامضة فقال بعد تفكير 
_أنتي بتحبي حد تاني مثلا 
تعمقت بالتطلع إليه وهو يترقب إجابتها ظنت بأن تلك الفرصة مناسبة للغاية للبوح عما بقلبها قاطع الهاتف تلك اللحظة الذهبية فأشار لها بحرج 
_ثواني بس أشوف الموبيل. 
ونهض ليقترب من المكتب ثم رفع الهاتف ليردد بعدما استمع للمتصل 
_طيب اهدي اهدي أنا جاي حالا. 
وجذب جاكيته الموضوع على جسد المقعد ثم هرول للخارج وهو يشير لها 
_أنا لازم أرجع البيت حالا هنكمل كلامنا بعدين. 
جزت على أسنانها بغيظ من تلك الفرصة التي ضاعت هباءا فجلست ټلعن نفسها على هذا الحظ البائس أما يحيى فهرع لسيارته في محاولة للوصول لشقته مسرعا فقد إعتاد على مواجهة مثل تلك المواقف حينما تزورها دورتها الشهرية فتنتكس حالة ماسة حينما تتذكر الماضي الذي جلدها بسوط قاس!
بمنزل عبد الرحمن 
انتهى من إطعامها ثم حمل صينية الطعام للمطبخ ليشمر عن ساعديه ليجلي الأطباق ومن ثم اعاد تنظيف الشقة من جديد وحينما انتهى إقترب من الفراش ليسألها بابتسامة حنونة 
_خلصت كل حاجة يا ست الكل عايزاني أساعدك بقى تغيري هدومك قبل ما أنزل 
بصعوبة هزت مروج رأسها الثقيل لتشير له بالنفي فجلس جوارها ليربت بيديه على وجهها تلألأت الدموع بعينيها فحتى الحديث لا تقوى عليه بعدما أصيبت بشلل نصفي جعلها قعيدة الفراش ربما تدفع ثمن الشړ الذي كانت تحصده منذ سنوات وبالرغم من ذلك منحها الله عز وجل ثمرة ممتلئة بالخير الابن البار الذي يخدمها على كفوف الراحة مازالت تتذكر كيف رواغها الشيطان لقتل جنينها حينما علمت بحملها من فؤاد شقيق فهد ولكنها تراجعت خشية من أن تلاقي حتفها وهي بغرفة العمليات وها هو الآن كل ما تمتلك بالحياة السند والظهر الذي لم تختبره من قبل كم أرادت شكره وضمھ لصدرها ولكن حتى هذا حرمت منه انتبه عبد الرحمن لقرع باب المنزل فنهض وهو يشير لها بابتسامة هادئة 
_دي أكيد الممرضة. 
ثم هم بالخروج وهو يشير لها 
_متقلقيش مش هتأخر ساعتين وهرجع بأمر الله. 
وفتح باب الشقة للممرضة ثم غادر على الفور. 
صعد يحيى لشقته فانخطف لونه حينما وجد إلهام تقف بالخارج وتطرق باب الحمام پخوف شديد فدنا منها ثم سألها بهلع 
_في أيه 
قالت پخوف سكن خلايا نبرتها المرتعشة 
_بقالها ساعة بالحمام مش راضية تفتح. 
أشار بيديه 
_طب ادخلي أنتي حضرلها هدوم نضيفة تلبسها. 
أومأت برأسها ثم ركضت للداخل أما هو فاقترب من
الباب ليطرق وهو يردد بصوت عذب 
_ماسة إفتحي الباب أنا يحيى! 
لم يستمع لأي ردا منها حتى تلك اللهفة التي تحاوطها حينما تعلم بعودته لم تعتريها بتلك اللحظة ارتبك للحظة وهو يفكر بكسر الباب فخشى أن تتدهور حالتها مجددا فلم يكن بوسعه الا التحلى بالهدوء فعاد ليناديها مجددا 
_ ماسة حبيبتي إفتحي عشان تشوفي أنا جبتلك أيه النهاردة وأنا جاي 
لم يستمع تلك المرة أيضا لأي رد منها فعاد ليناديها مرة تلو الأخرى دون ملل من عدم استجابتها له.. 
بالداخل. 
كانت تجلس أرضا خلف باب الحمام تضم ساقيها معا لصدرها ونظراتها تتوزع على الډماء التي القابعة بفستانها الأبيض فتلامسها ذكرى غريبة لم ترأها من قبل وكأن هناك شاشة بيضاء تنير بلقطة غير واضحة ترى بها نفسها ببطن منتفخة وفجأة ترى سيارات كثيرة
ومن ثم

صړاخ عاصف ومن ثم دماء انسدلت من أسفلها كعمق من البحر
لتستمع كلمة غريبة على مسمعها 
فقدت الجنين!..
لم يستوعب عقلها الصغير مواجهة تلك الذكريات الغريبة فكان جسدها يتخشب خوفا مما ترأه وفجأة وسط تشتتها التقطت آذنيها صوت نجدتها آمانها القابع من خلفها لا يفصلهما سوى باب صغير سمعته يناديها فنهضت عن الأرض وهي تردد بسعادة 
_يحيى! 
ومن ثم حررت المفتاح القابع بجسد الباب لتزداد ابتسامتها حينما وجدته يقف مقابلها بالفعل ركضت ماسة إليه متشبثة بأحضانه كالغريق الذي يتمسك بقشة تنجده مما يواجهه أغلق يحيى عينيه بقوة وقد عاد الهواء لينعشه من جديد حينما وجدها تقف أمامه فرفع أصابعه ليقرب رأسها من صدره لدقائق تحيه مجددا ثم أبعدها عنه وهو يتفحص ملابسها بهدوء ليشير لها بحكمة 
_شوفتي ماسة رجعت تعبت تاني عشان مبتسمعش الكلام ومش بتأخد ادويتها. 
ورفع صوته لإلهام قائلا 
_خديها غيرلها هدومها واديها أدويتها
 

49  50  51 

انت في الصفحة 50 من 140 صفحات