القصة الكاملة رحلة الآثام بقلم منال سالم
هاسيب فردوس تبات في الشارع ولا على الرصيف
علقت عليها بتذمر ساخط
والشملول جوزها فين المفروض يدور على بديل
بعد تنهيدة سريعة أجابت
أهوو بيعمل اللي عليه
التفتت عقيلة برأسها نحو باب المنزل عندما سمعت الطرقات عليه نهضت متجهة إليه لتفتحه فوجدت إجلال عند عتبته أردفت الأخيرة مرددة بأنفاس لاهثة أكدت على لوعتها
رحبت بها قائلة
فيكي الخير يا بنتي خشي واسيها بكلمتين جوا
كانت ممتنة لاستقبالها وانطلقت في التو نحو الداخل لتلازم صديقة الطفولة وتشاركها في مصابها طامعة أن تنجح في التهوين عليها
منذ الصغر أدرك الفارق والاختلاف بين الشقيقين فالكبير متهور ومندفع لا يحسب الأمور جيدا بعقله يفعل ما يطرأ على باله بغير حسبان والصغير على النقيض يمتلك من الذكاء والفطنة ما يجعله قادرا على تسيد الآخرين وقيادتهم لا يثير المتاعب وإن وقع في المصائب وجد السبيل للخروج بلا أدنى خسارة لهذا كان الابن المفضل لديه مما زرع الغيرة والحقد في نفس ابنه البكري مع مرور الزمان الأزمة الأخيرة أوضحت له ما ظن أنه غفل عنه لهذا أراد إعادة توزيع الأدوار خاصة مع التطورات الجديدة لجأ السيد فؤاد لمحاميه لتنفيذ ما فكر فيه في فترة تعافيه وشرع الأخير في تحقيق مطالبه دون تأخير وصار كل شيء مثلما رغب استغرب سامي من
وصوله سأله بعدما استقر على المقعد المقابل له
خير يا باشا
في زهو بائن في نبرته وكذلك على تقاسيمه جاوبه باسما بقدر قليل
أخوك بلغني إنه جاب ولد
غامت تعابيره للغاية وهتف غير مصدق ما سمع للتو
إيه
تابع والده حديثه إليه مهمهما
بقى لعيلة الجندي حفيد
انزعج من الأريحية الواضحة على والده الأرستقراطي الصارم فلو كان هو من تصرف برعونة وتزوج بفتاة مجهولة الحسب والنسب لربما عوقب بالطرد من جنته وحرم من نعيمه وترفه أظهر سامي سخطه ونقمه عليه فقال
حذره السيد فؤاد من التمادي في حديثه هاتفا
خد بالك من كلامك يا سامي اللي بتتكلم عنه ده ابن أخوك من صلبه
أصر على اعتراضه مدمدما بغل يبرز في نظراته
بس يا باشا
بنفس اللهجة الشديدة الحازمة أمره
مش عاوز أسمع كلمة زيادة في الموضوع ده اتصل بيه باركله وخلاص!
اللي تؤمر بيه
استعد سامي لينهض من مكانه لكن جلس مذهولا عندما أضاف السيد فؤاد
صحيح المحامي جهزلك ورق الشركة الجديدة
سأله في صدمة متزايدة ونظراته تتسع ببهجة لا يمكن إنكارها
شركة جديدة
أكد له بغموض ضاعف من وتيرة الحماس لديه
أيوه
كان من الأفضل أن يرسله بعيدا أن يلهيه بالأعمال فلا يجد وقتا لتدبير المكائد لشقيقه استطرد السيد فؤاد موضحا بهدوء
وكأنه قد نال مبتغاه تهللت أساريره وانعكست آثار الفرحة على محياه فقال بابتسامة عريضة للغاية
إيه معقولة أنا يا باشا
تعمد السيد فؤاد تجاهل مظاهر السرور البائنة على ابنه وقال بصرامته المعتادة كنوع من التحدي
اطمن يا باشا أنا هخليك تفتخر بيا
هز رأسه معقبا
انصرف بعدها سامي وشعوره بالنشوة يغمره حاډث نفسه في تصميم متحمس للغاية
أخيرا رضا عني فؤاد باشا ودي فرصتي عشان أقدر أوريه الفرق بيني وبين مهاب وساعتها بس هيعرف إنه كان غلطان لما وثق فيه عني!
بدت وهي جالسة على طرف الفراش ترتدي ثيابها تأهبا لخروجها من المشفى في حالة من الخنوع والاستسلام امتدت يدها لتداعب برفق حذر أنامل رضيعها النائم إلى جوارها انتفضت واقفة مرة واحدة عندما فتح الباب فجأة فوخزها جرحها الحي بقوة تطلعت بنظرات قلقة تظهر الخۏف والتوتر نحو مهاب الذي أطل منه باسما في غرور واثق ابتلعت ريقا غير موجود في جوفها وسألته بنبرة مهتزة
قرارك إيه
تقدم ناحيتها بثبات وعيناه لا تحيدان عنها مما أشعرها بالمزيد من الرهبة والارتياع أحست بمدى ضآلتها أمام بطشه اللا محدود خشيت أن يسحقها باختيار صاډم فبادرت بإبداء استعدادا تاما لتنفيذ كل ما يأمرها به حبست أنفاسها انتظارا لكلمته الفاصلة لم تطرف بعينيها وهي تنظر إليه مد يده ليحتضن طرف ذقنها ارتجفت من لمسته التي لم تكن حميمية أو دافئة بل شعرت بها كلمسة قاټل يختبر أضعف نقطة في فريسته لنحرها منها حين تكلم شعرت بقلبها ينقبض
أنا فكرت
شعر مهاب برجفتها أسفل لمسته فاستمتع بمدى تأثيره الطاغي عليها ابتسم أكثر في انتشاء وأكمل
عشان ابني هردك
وكأن الحياة قد عادت لتدب في روحها الکسيرة لكن قبل أن تكتمل فرحتها هددها صراحة ويده قد أطبقت على فكها تعتصره
بس لو في يوم قصرتي في حقه صدقيني مش بس هحرمك منه هخليكي ټندمي على اليوم اللي عرفتيني فيه!
لم تترك تهاني لعقلها الفرصة للتفكير أو التحليل أو حتى مراجعة ما أقره بل هتفت في الحال
رغم الألم الذي انتشر في عظام فكها مظهرة فروض
الطاعة والولاء الكامل له
حاضر أنا مستعدية أعمل أي حاجة عشان أفضل جمب ابني طول العمر
غابت ملامح الټهديد من على قسماته رمقها بهذه النظرة المتلذذة بانتصاره ليربت بعدئذ برفق على جانب وجنتها معقبا في استحسان
كده تعجبيني!!!
يتبع الفصل التاسع عشر
الفصل التاسع عشر
لا كرامة معه
تحذيره المشروط بطردها من جنته الزائفة وإقصائه عن فلذة كبدها إن أخطأت وعصت أوامره مهما كان كفيلا بإخضاعها وجعلها أكثر حرصا على عدم إغضابه وإن لم تكن راضية تماما عما يفعل. التزمت تهاني بكل شيء وتخلت عن أحلامها في سبيل البقاء معه. تنهيدة عميقة خرجت من رئتيها لتمنح بعدها رضيعها الذي تهدهده بلطف ابتسامة صافية النسمات الرقيقة في الشرفة وهي جالسة به جعلته يغفو بالتو ضمته إلى صدرها وانهالت على وجنته تقبله في عاطفة أمومية جياشة. همست له بالقرب من أذنه
عشانك أنا مستعدة أتحمل أي حاجة المهم ماتبعدش عني.
رغما عنها طفرت دمعة متأثرة من طرفها مسحتها بسبابتها وواصلت القول
إنت أغلى ما في حياتي.
احتوته في أحضانها الدافئة وأغمضت عينيها مستمتعة بهذه اللحظات الثمينة سرعان ما تبدد ذلك الهناء النفسي وانتفضت في قدر من الفزع عندما جاءها صوته المنفر
تهاني!
استدارت برأسها ناحية مصدره دون أن تنهض وردت في صوت مطيع
أيوه.
رأت زوجها مقبلا عليها ومن خلفه بمسافة بسيطة لمحت واحدة غريبة تجهل هويتها تقف في وقفة رسمية وترتدي ثياب الخادمة. قرأ مهاب تساؤلها المحير في عينيها دون أن تنبس بكلمة ومع ذلك أمرها
سيبي أوس للمربية بتاعته وتعالي.
كررت كلمته باندهاش متعجب
مربية!
أيوه أومال مفكرة هخلي واحدة زيك جاية من الحواري تربيه تفهمي إنتي إيه في أصول التربية!
ابتلعت مرارة الإهانة قسرا وقالت مدافعة عن نفسها پألم محسوس في نبرتها
أنا أمه يا مهاب مافيش حد هيخاف عليه ولا يحميه من الهوا الطاير زيي.
رد عليها بتصميم
واللي جايبها فاهمة شغلها كويس وعارفة هتتعامل معاه إزاي.
عفويا تشبثت تهاني برضيعها في خوف غريزي وكأنه تخشى فقدانه بانفصاله عنها حاولت إقناعه بالعدول عن رأيه فرجته
صدقني أنا هعمل المستحيل عشان أخليه أحس حد في الدنيا.
وكأنها نكرة لا أهمية لرأيها رفع سبابته أمام وجهها ينذرها
أنا قولت إيه!!
فرقع مهاب بإصبعيه للمربية لتتقدم للأمام تجاوزته متجهة إلى الرضيع أخذته قسرا من والدته والتفتت ناظرة إلى رب عملها الذي حاډثها باللغة الإنجليزية ملقيا عليها تعليماته فأظهرت طاعتها الكاملة وهي تبتسم.
اجتمعت هموم الدنيا وشقائها في ملامحه التعيسة وكيف له ألا يحزن وقد فقد المكان الذي يأويه في غمضة عين حاول قدر استطاعته توفير النفقات اللازمة لتأجير منزلا مؤقتا لكنه كان مكبلا بالديون وهذا أثقل كاهليه بشدة خاصة مع إقامته غير المستحبة لدى حماته لهذا أراد تلقي بعض المساعدة فخطړ بباله اللجوء لشقيقه إذ ربما إن علم بمصابه نجده في الحال. كما هو معتاد جلس عوض في انتظار دوره بالسنترال العمومي الزحام كان متوسطا وحينما أخبره الموظف بالتوجه إلى كابينة الهاتف الخاصة بمكالمته أسرع إليها والتقط سماعة الهاتف مخاطبا والدته فشقيقه لم يكن متواجدا لهذا اضطر أن يخبرها عما حدث فصاحت باستنكار ضاعف من شعور الذنب لديه
أنا قولتلك من الأول إني مش راضية عن الجوازة دي وإنت عاندت وركبت دماغك وهي اتطربقت في الآخر علينا كلنا.
هم بالكلام لكنها استمرت مسترسلة پغضب
هتفهم امتى إنها نحس ووش فقر.
رد عليها بحذر وقد غامت تعابيره
يامه ده نصيب الحمدلله إننا طلعنا منها بخير.
هدرت به عاليا حتى ظن أن من حوله سمعوا صوت صړاخها
نصيب إيه بس ده كل حاجة راحت وبقينا على الحميد المجيد!
بالكاد استجمع خواطره وقال بشيء من الخزي مستصعبا طلبه
طيب أنا دلوقتي عاوز قرشين وآ...
قاطعته قبل
أن يتم جملته للنهاية بحسم
منين يا حسرة أخوك يدوب اللي جاي على أد اللي رايح!
علق بحلقه غصة مريرة فخذلانها له كان موجعا انتبه لصوتها مرة ثانية عندما طلبت منه
بقولك إيه إنت تطلق البت دي وأنا ساعتها هحاول أتصرف وابعتلك قرشين تيجي بيهم عندنا.
هتف بلا تفكير رافضا اقتراحها
مش هعمل كده يامه.
صاحت في حنق
أنا غلبت معاك ومابقتش عارفة أخد معاك لا حق ولا باطل!
ضم شفتيه وردد بعد لحظة من الصمت الموجع
كتر خيرك يامه.
اخترق صوتها الحاد أذنه وهي لا تزال تتكلم
بس خدها مني كلمة طول ما إنت سايب الفقر دي في حياتك مش هتشوف يوم عدل.
بشيء من عزة النفس والكرامة قال
ربنا وحده اللي بإيده يقرر مصايرنا.
زادت من ضغطها عليه بحديثها الختامي
إنت مابتسمعش إلا نفسك اقفل ومشاكلك حلها بنفسك!
لم تضف شيئا آخرا انقطع الاتصال وهو على نفس الحال البائس بل يمكن القول أنه أصبح أكثر بؤسا وشقاء بعدما أحبطته برفضها الصريح لتقديم يد العون له. خرج من السنترال يجرجر أقدامه وهو يحادث نفسه
لطفك بيا يا رب! هعمل إيه!
غمره شعور المعذب العاجز الفاقد للحيلة والوسيلة سار محڼي الرأس يتخبط في الطرقات والشوارع وهو متحرج للغاية من العودة إلى منزل حماته فبماذا يخبرها وقد وصلت الأمور لمداها الأخير
الانفصال عن وليدها كان عسيرا وغير يسير عليها شعرت تهاني وكأن روحها تتمزق وقلبها يتفتت بالكاد حاولت الاعتياد على مفارقته لتزاول عملها تبدلت أحوالها كثيرا وصارت أكثر شهرة وتميزا كل الأبواب المغلقة فتحت من أجلها أصبحت تنتمي للطبقة الأعلى شأنا وبات يتم دعوتها للانخراط في أوساط لم تكن لتظن أبدا أنها ستصبح واحدة منهم حتى مكان عملها تحول لشيء يليق بمكانتها الجديدة. في قرارة نفسها كانت تتحرج من هذا الشعور الغريب الذي يناوشها من آن لآخر وتستنكره بأنها راضية عن النقلة الكبيرة في حياتها وإن كانت على حساب كرامتها لكن سرعان ما جاهدت لتسكت ذلك الصوت الداخلي المندد