حكاية رحلة الآثام بقلم منال سالم
مشاركتها أي نوع من الحديث خشيت من إثارة ڠضبها بلا سبب فلزمت الصمت وهي تستشعر موجات الحزن المطعمة بالجفاء تموج في داخلها تنبهت لها عندما خاطبتها في حدية بعد برهة
بقولك إيه أنا رايحة البلد عن قرايبي هفضل هناك فترة فماتجيش تاني مش هتلاقي حد في البيت
في تلقائية بحتة سألتها مستفهمة
طب هترجعي إمتى
صاحت بها بصوت حانق ومنفعل
انكمشت على نفسها رهبة منها وهتفت مبررة
لأ أنا بس حابة أطل عليكي كل وقت وتاني
لوحت لها بيدها عندما علقت بعبوس
اطمني مش محتاجالك
ما إن أنهت فنجان قهوتها حتى هتفت فيها بما يشبه الطرد
يالا على بيتك أنا دماغي تقيلة وعاوزة أريح حبة
اڼصدمت بتصرفها المهين لها فتأثرت عيناها ولمعت فيهما العبرات قامت ناهضة وهي ترد في خجل شديد
بالكاد لملمت شتات نفسها المتبعثرة وهي تحاول بصعوبة ألا تبكي لتتابع
فوتك بعافية
لم تضف شيئا ولم تودعها حماتها فبلغت عتبة الباب وانحنت لتنتعل حذائها همت بفتحه لكنها وجدت عوض يسبقها أطرق الأخير رأسه
حرجا لرؤيتها أمامه ثم قام بتحيتها في تهذيب
السلام عليكم
بلعت ريقها وقالت بصوت مال للحزن
استشعر الضيق في نبرتها فقال محاولا تخفيف ما ظن أنها قد تعرضت له في غيابه وهو ينظر تجاه والدته الملازمة دوما لموضع جلوسها
يا أهلا وسهلا بالناس الغاليين اتفضلي
علقت بصوت مرتعش دون أن تنظر ناحيته
لأ أنا كنت نازلة
أصر عليها محتجا بجدية رغم هدوء نبرته
مايصحش تمشي لوحدك استني أوصلك
كتر خيرك المسافة مش بعيدة
استوقفها بقوله المعاند
ده يبقى عيبة في حقنا
أشار لها لتنظره بالخارج واستكمل كلامه
استنيني لحظة أعرف الحاجة جوا
لم تجد بدا من الرفض أمام تصميمه فهتفت في استسلام يائس
طيب
أسرع عوض متجها إلى والدته ليخبرها باهتمام
هاروح يا أمي أوصل مرات أخويا لبيتها
هي ناقصة رجل ما تسيبها تغور لواحدها
عاتبها بقوله اللين
لا حول ولا قوة إلا بالله دي ضيفة في بيتنا وإكرام الضيف واجب
يا خويا بلا قرف
سدد لها نظرة أخرى مليئة باللوم لكنه لم ينطق بشيء بل اتجه عائدا إلى فردوس التي تنتظره بالخارج وهو يفكر مليا في كيفية إرضائها دون أن يشعرها بالحرج
تسلميلي يا إجلال نتعبلك نهار فرحتنا بيكي
ردت بودية معتادة منها
تسلميلي يا خالتي
وصلت كلتاهما إلى محل البقال فالتقطت إجلال السماعة السوداء لتناولها إلى عقيلة وهي توجه سؤالها لصاحبه
الخط لسه مفتوح
أجابها وهو يشير برأسه
أيوه
بيدها المرتجفة أمسكت عقيلة بالسماعة وضعتها على أذنها وصاحت في شوق جارف
ألوو أيوه يا ضنايا
ردت تهاني بكلمة واحدة عنت الكثير
ماما
غلبتها دموعها الأمومية فطفرت من حدقتيها وهي تخبرها بعتاب رقيق
وحشني صوتك يهون عليكي أمك المدة دي كلها متسأليش عليها
جاءت نبرتها شبه مهمومة وهي ترد
ڠصب عني كان عندي شوية
مشاكل
شهقت عقيلة مصډومة ووضعت يدها على صدرها كأنما تلطم عليه وهي تهتف بجزع
وربنا قلبي كان حاسس
حاولت تهدئتها بقولها
ماتقلقيش كله تمام دلوقتي
توسلتها بقلب واجل
ما تسيبك من الهم ده كله يا تهاني وتعالي وسط أهلك
لحظة من الصمت حلت قبل أن تقطعها قائلة
مش هاينفع أنا ورايا حلم عاوزة أحققه
كادت عقيلة تعترض عليها لولا أن سمعتها تطلب منها
إنتي ادعيلي
أخبرتها بوجه اكتسب سمات التعاسة
وربنا بدعيلك ليل نهار
غيرت تهاني من مسار الحوار فسألتها
وفردوس عاملة إيه اتجوزت خلاص
تنهيدة عميقة طردتها أمها من رئتيها قبل أن تجاوبها
كتبنا كتابها مستنين بس جوزها يبعت ياخدها معاه
ظهر الاستغراب في صوتها عندما تساءلت
ليه هو راح فين
أجابتها وهي تمسح بيدها دموعها المسالة على وجنتيها
سافر العراق بيدور على باب رزق جديد
أتى تعقيبها
مهتما
ماشي ابقي سلميلي عليها
ردت عليها والدتها بصوتها المتلهف
يوصل يا ضنايا إنتي خدي بالك من نفسك وماتغبيش المدة دي كلها عني طمنيني كل شوية عليكي
بنبرة شبه عاجلة اختتمت معها المكالمة
حاضر لازم أقفل مع السلامة
انقطع الاتصال فجأة وبقيت السماعة ملتصقة بأذن عقيلة لعدة ثوان ظل لسانها يردد في خفوت والألم يعتصر قلبها
ربنا يهديكي لحالك يا تهاني
تساءلت إجلال من ورائها في قلق
كله تمام يا خالتي
أعادت الأخيرة السماعة إلى مكانها واستدارت تنظر إليها بعينين حزينتين وهي تخبرها
اه يا حبيبتي
أحست بشيء من الإعياء يصيب بدنها فطلبت برجاء من إجلال وهي تمد يدها لتستند على مرفقها
رجعيني البيت ينوبك ثواب
في التو عاونتها وهي تقول بمحبة صافية
ده إنتي تؤمري
رمقتها بنظرة امتنان قبل أن تدعو لها
ما يؤمرش عليكي عدو
شردت رغما عنها تفكر في حال ابنتها الغائبة عنها وقلبها لا يزال يستشعر وجود ما يؤرقها وإن أنكرت وادعت صلاح أمورها فإحساس الأم لا يخيب أبدا!
كان هناك متسع من الوقت خلال سيرهما إلى منطقتها السكنية ففكر عوض في استغلاله لإبداء الاعتذار المصحوب بالتبرير لزوجة شقيقه خاصة مع علمه بطبيعة والدته الحادة حينما تتصرف بفظاظة وقحة مع الغير وضع دارجته كفاصل ملائم بينهما تنحنح لأكثر من مرة ليجلي أحبال صوته حاول أن يبدو مراعيا حين استطرد متكلما وقاصدا الدخول في لب الموضوع مباشرة
مش
عاوزك تزعلي من أمي هي خلقها ضيق شويتين بس طيبة
قالت برأس مطأطأ في حزن
ربنا يخليهالكم
حل الصمت بينهما سريعا فحاول أن يبدده بقوله غير الاحترازي
فيكي الخير إنك جيتي تشوفيها قبل ما تسافر ل بدري
تأهبت حواسها لجملته العابرة استغرقها الأمر لحظة حتى استوعبت مقصده فرفعت نظرها إليه وسألته مذهولة وكأن أحدهم قد قام پطعنها غدرا في ظهرها
تسافر!!
اندهش لردة فعلها وعلق سائلا
هو إنتي معندكيش خبر ولا إيه
رغم المفاجأة الصاعقة التي هبطت على رأسها إلا أنها جاهدت لتخفي تأثيرها عليها ومع ذلك ردت متلعثمة
لأ آ يعني سي بدري مقاليش
ضيق عينيه وقال
اعذريه تلاقيه ملقاش فرصة يبعتلك جواب بس هو بيعمل اللي في وسعه عشان يجيبكم
بلا صوت غمغمت في تهكم مستاء
بأمارة ما جاب أمه الأول!!!
لم تسمع معظم ما خاطبها به كمبررات واهية لشقيقه لكنها انتبهت إلى آخر كلامه وهو يردد
وأنا الحمدلله خلصت كل الورق المطلوب وإنتي أكيد بعدها
علقت بغير اقتناع
ربنا يسهل
بلغت موضع بنايتها فتوقفت عن المشي لتطلب منه في رجاء
قوله يا سي عوض يبعتلي جواب ولا يكلمني يطمني عليه أنا برضوه مراته وليا لي حق عليه
رد عليه متفهما
في دي معاكي حق وهو غلطان أنا هعرفه أول ما يكلمني
ابتسمت في امتنان شاكر وهي ترد
تسلم وتعيش
استأذنت بالصعود بعدما وصلت صعدت إلى الأعلى ورأسها يعج بالكثير من الخواطر والهواجس المتصارعة لا تدري لأي منهم ستكون الغلبة لكن ما سيطر عليها واستحوذ على اعتقادها حينئذ هو إحساسها القوي بالغدر والخذلان
منذ أن عادت عقيلة إلى المنزل وهي على حالتها الساهمة تلك فقدت الشهية لتناول الطعام ولم تحبذ كذلك مشاهدة التلفاز أو حتى الاستماع إلى الراديو ظلت فقط جالسة على المصطبة الخشبية الموجودة في غرفة نومها تستند بيدها على إطار الشباك الموارب ناظرة من الڤرجة الصغيرة إلى سراب لا يراه سواها بدت وكأنها قد اعتزلت في غرفتها جاءت إليها فردوس بعدما بدلت ثيابها سألتها لأكثر من مرة إن كانت تريد شيئا لكنها كانت تجيب بهزة نافية من رأسها أتمت ما نقص من أعمال البيت ثم عادت إليها وجلست مجاورة لها تأملتها بتفرس
لبعض الوقت ثم سألتها في اهتمام
إنتي بخير يامه
اعترفت لها بشيء من الشجن
لأ قلبي متوغوش على أختك صوتها مريحنيش
سألتها مدهوشة وقد تحفز في جلستها
هي طلبتك النهاردة ولا إيه
أجابتها بإيماءة بطيئة من رأسها
أيوه وزادت الهم في قلبي
التوى ثغرها بنقم وردت وهي تزيح رباطة شعرها لتمشط خصلاتها بيدها قبل أن تجمعهم معا
يامه تهاني جدعة مايتخافش عليها
رأت كيف غامت تعبيراتها وامتزجت بالتعاسة وهي تخبرها
بس لواحدها مافيش حد ينصحها
سكتت ولم تعلق بشيء فإحساس والدتها بالألم راح يغمرها وحينما ينتابها ذلك الشعور الثقيل تكون مهمومة أكثر ترددت لهنيهة في إعلامها بما جرى في بيت عائلة زوجها وما عرفته مصادفة من مسألة التوضيب لسفرها بدلا منها سرحت في همها لبرهة سرعان ما عادت منه عندما سألتها عقيلة بنوع من الاهتمام
أومال عملتي إيه عند حماتك استقبلتك كويس
في التو عدلت عن رأيها ولم تخبرها بالمهانة التي تلقتها هناك أو حتى ما اكتشفته لم ترغب في إحزانها ولا التسبب في نشوب الخلاف بينهما على أمر يمكن حله اختبأت خلف بسمة مصطنعة وردت بصوت شبه مضطرب
آ أيوه يامه قامت بالواجب وزيادة دي فرحت بجيتي أوي
تفرست في قسماتها بشك ملموس فأكدت عليها فردوس بنفس الابتسامة الزائفة
دول بيت كرم
استغربت من عبارتها تلك وقالت ساخرة
ماشوفتهاش يعني باعتة معاكي حاجة!!!
ادعت كڈبا وقد اهتزت بسمتها
ما أنا مرضتش هو احنا ناقصنا حاجة يامه!
لم تبد مقنعة كليا بتبريرها الضعيف ومع ذلك تجاوزت عقيلة عن هذا الأمر لتقول وهي تسدد لها هذه النظرة العميقة
خير ربنا ييسرلك أمورك وتروحي لجوزك خلينا نطمن عليكي إنتي كمان
إن شاءالله
قالت جملتها تلك وهي تنهض من جوارها لتفر من نظراتها المتشككة قبل أن تكشف كذبها الواهي ويتطور الوضع لما تخشى حدوثه!
انقضت الليالي العابثة وانتهت السهرات الماجنة وصار الوقت مناسبا ليعود إلى ممارسة عمله فكان أول ما فعله بعد غياب دام لشهر ويزيد هو العودة إلى المشفى الخاص لمقابلة تهاني معتقدا أن اللهفة قد بلغت منها مبلغها بل وجعلت قلبها المرهف يلتاع ويتحرق لرؤياه ما لم يتوقعه هو عدم تواجده بمكتبها رغم معرفته الأكيدة بالتزامها
الدائم بالحضور حك جبينه في تحير ثم وجه سؤاله لإحدى الجالسات بالحجرة في شيء من الرسمية خاصة ومكتبها مملوء بالكثير من الكتب والملفات
هي دكتورة تهاني مجاتش النهاردة
أجابته بما صډمه كليا
لأ هي اتنقلت أصلا!
للحظة تدلى فكه السفلي قليلا وردد متسائلا في نبرة ذاهلة
اتنقلت من إمتى ده حصل!!
مطت الطبيبة فمها لبعض الوقت كأنما استغرقت في تفكير سريع قبل أن تجيبه
بيتهيألي من حوالي 3 أسابيع!
لاحقها بسؤاله التالي وهو يحاول أن يجعل نبرته خلالها تبدو عادية
ماتعرفيش السبب
هزت كتفيها معقبة بغير اهتمام
تدريبها خلص هنا وراحت مكان تاني
ازدرد ريقه وتساءل في حيرة متزايدة
طب هي مقالتش فين المكان ده
هزت رأسها وهي تجاوبه
الصراحة لأ
شكرا
غادر الحجرة سائرا في الردهة بغير هدى كان في قمة