الأربعاء 27 نوفمبر 2024

حكاية رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 35 من 80 صفحات

موقع أيام نيوز


فأنهى حواره أحادي الجانب قائلا بعدما التقط منامته من على طرف السرير
لو عوزتي حاجة نادي بس عليا.
انسحب في هدوء وأغلق الباب ورائه ليعطيها مساحة من الخصوصية لكن في الحقيقة كان يريد الهروب من هذا الجو الخانق المعبأ بكل ما هو موجع لكليهما!
لم تتوقف عن معاتبة نفسها منذ عودتها إلى المنزل فإحساسها بالذنب تجاه ابنتها كان ينهشها بشدة بكت في صمت كلما استحضرت في ذهنها طيفها وهي تستجدي عاطفتها الأمومية لنجدتها ممن يحاولون المساس بها بحجة الشرف والسمعة لكنها ظلت أمام رجاواتها الحاړقة كتمثال من الحجر لا تحرك ساكنا تخلت عنها وتركتها للأيادي الغريبة تكشف سرها على أمل أن تبتهج في النهاية بعفتها لكنها لم تفعل حينما تم الأمر كانت تحترق لأجلها ينفطر قلبها حزنا على اغتيال فرحتها. نظرت عقيلة إلى شقيقتها الماكثة معها في بيتها مطولا كانت الأخيرة مسترخية لا يبدو بالها مشغولا بشيء لذا استطردت قائلة بصوت شبه مخټنق وكأنها تؤنبها

مكانش لازم نعمل كده كسرنا فرحة البت وآ...
قاطعتها أفكار ببرود مغلف بالقساوة
لأ ياختي ده كان ضروري أومال نسيب الناس تتكلم وتألف حوارات أهوو كله كان على عينك يا تاجر.
ضاقت عينيها في استنكار واضح فهذه لم تكن أحلامها بشأن زيجة ابنتها ومع ذلك لم تلق أفكار أي بال لأحزانها بل أضافت في زهو مغيظ
ده إنتي حقك دلوقتي تحطي صوابعك في عين أي حد يفتح بؤه بنص كلمة عنها.
اعترفت لها وهي تمسح بطرف كم عباءتها المنزلية دموعها التي تملأ صفحة وجهها
صعبانة عليا أوي حاسة إني كسرتها.
ضحكت في استهزاء قبل أن تقول بابتسامة سخيفة
علقة تفوت ولا حد ېموت...
ثم مالت ناحيتها وغمزت لها في شيء من المكر
دي زمانها غرقانة في العسل وجوزها مدلعها.
لم تبد عقيلة مطمئنة لهذه الدرجة فالألم لن يمضي على خير كما تظن خاصة ما يؤثر بالنفس. انتبهت مجددا لشقيقتها الكبرى وهي تخاطبها بعدما
نهضت من موضع جلوسها
بينا نعملها فطور العرسان.
تبعتها في خطوات متعبة ولسانها يهمهم داعيا
ربنا يهدي سرك يا بنتي ويريح بالك!
كان من غير الطبيعي بالنسبة له الذهاب هكذا ببساطة وتركه وهو لا يزال في هذا الوضع الصحي الحرج قرر مهاب إرجاء سفره لمدة غير معلومة وملازمة والده ريثما يتماثل تماما للشفاء وكذلك ليبقي عينيه على شقيقه الأكبر الذي على ما يبدو يكيد له بعض المكائد الخبيثة لإفساد ما بينه وبين أبيه على أمل أن يحظى بمكانة عالية لديه ويفوز بالكعكة كاملة ودون نقصان. راجع مرة ثانية ما لديه من أوراق وتقارير وهو جالس بالمكتب الذي تم تجهيزه له في هذا المشفى الاستثماري الضخم ليكون خاصا به خلال أدائه لعمله كطبيب متخصص في الجراحة هنا. قاطع انشغاله في كتابة بعض الملحوظات الضرورية اقټحام سامي للحجرة دون استئذان ليهاجمه كالعادة بالمستهلك على الأذن من عبارات الټهديد السقيمة لم يغلق الباب خلفه وسار مختالا ناحيته وهو يردف بسخرية مستفزة
ده أنا فكرتك حاجز أول طيارة ومسافر.
رفع مهاب بصره تجاهه ثم نظر إليه شزرا ليعلق بعدها مستخفا به
للأسف تخمينك مش في محله أنا مش مسافر.
لم ينجح هذه المرة في استثارة أعصابه بل بدا سامي هادئا للغاية وهو يسأله في تهكم
معقولة تسيب حياة الرفاهية والأضواء وتفضل معانا
رد عليه بما جعل قناع البرود الزائف يسقط في التو
فؤاد باشا يستاهل إني أضحي بكل حاجة عشانه ما تنساش أنا المفضل عنده.
لم يتمكن من ضبط انفعالاته طويلا أو السيطرة على ردة فعله التي يسهل استفزازها سرعان ما صعدت الډماء إلى رأسه فصاح في صوت شبه محتد
من إمتى الحنية دي أنا أكتر واحد فاهمك.
قال مصححا له بنفس الوتيرة الهادئة
إنت أكتر حد ماتعرفنيش.
اشټعل وجهه بغضبه وأطلت من عينيه نظرات كارهة حاقدة ترك مهاب ما بيده جانبا لينهض من على مقعده قائلا
رأيي يا سامي بدل ما تركز في اللي بعمله ركز في حياتك إنت.
انفلتت منه صيحة حانقة
إنت هتعرفني أعمل إيه ومعملش إيه نسيت نفسك ده أنا مداري على كل بلاويك.
وقفت مهاب في مواجهته لا يبدو على ملامحه أدنى تغيير بينما استمر سامي في إطلاق سهام غضبه المحموم عليه
ولا تكون فاكر إنك بكلمتين هتضحك على فؤاد باشا ويرجع يصدقك من تاني!!
ابتسم له شقيقه الأصغر بغير اكتراث ليجعل بذلك نيران الغيرة تأكله أكثر ثم تكلم إليه وهو يربت على جانب ذراعه
اعمل اللي إنت عاوزه في النهاية كل اللي يهمني صحة بابا وسلامته.
استشاطت نظراته بشدة فقابلها مهاب بابتسامة وديعة واثقة قبل أن يوليه ظهره ليسير عائدا تجاه مكتبه التقط أحد الملفات من على سطحه وقال وهو ينظر إليه من طرف عينه
مضطر أسيبك تهري مع نفسك وأشوف اللي ورايا هنا.
بدا وجه سامي محمرا للغاية عاكسا لما يستعر في داخله من حقد مشوب بالغيرة العظيمة تابع مهاب سيره نحو الباب قائلا بلهجة شبه آمرة
ابقى اقفل الباب بعد ما تطلع.
انتظر ذهابه ليلعنه
غبي مفكر نفسه مسيطر على كل حاجة.
اتجه إلى حيث الهاتف الأرضي أمسك بالسماعة ولف القرص الدوار محدثا نفسه
استعد بقى لنهايتك.
أمضى الليل غافلا على الأريكة في صالة بيته فشعر حينما استيقظ بتيبس فقرات عنقه وپألم متفرق في أنحاء جسده المتعب مسبقا. كان وجهه مرهقا أسفل عينيه شبه أسود فقد بقي يقظا لما بعد الفجر بقليل إلى أن غلبه النعاس وسقط نائما صريع الإنهاك. تمطى عوض بذراعيه ودعك برفق الأجزاء التي ما زالت تؤلمه ليخفف من حدة الۏجع وضب مكان نومه ثم
نهض سائرا تجاه الحمام ليغسل وجهه. تباطأ في مشيه حينما نظر إلى باب غرفته المغلق كل ما دار في خلده في هذه اللحظات هو أحوال زوجته أراد تفقد أحوالها لكنه تراجع عن هذه الفكرة في التو محاولا منحها المزيد من الوقت لتتجاوز حاډثة الأمس. 
لم يكن قد انتهى بعد من تجفيف وجهه حتى سمع الطرقات المتعاقبة على باب المنزل ألقى بالمنشفة على المشجب الموجود خلف باب الحمام الخشبي وأسرع الخطى نحو الخارج. ما إن فتح الباب حتى انطلقت في وجهه زغرودة مبتهجة أعقبها هذه الجملة التقليدية الفرحة من خالة زوجته
صباحية مباركة يا عريس.
تنحى للجانب ليفسح لها بالمرور مع ما تحمل في يديها قائلا
الله يبارك فيكي اتفضلي يا خالة البيت بيتك.
كذلك ألقى التحية على حماته وحمل عنها الأغراض التي جاءت بها هاتفا
عنك ..
نظر إلى ما أحضرته الاثنتان بدهشة حرجة فكلتاهما جاءتا محملتين بكل ما لذ وطاب لإطعامه هو وزوجته التي لم يرها منذ الأمس. تنحنح مرددا بحرج ظاهر على قسماته قبل نبرته
مكانش ليه لزوم التعب ده!
ضحكت أفكار مرددة في مرح
دي حاجة بسيطة ترم بيها عضمك...
لم تخبت ابتسامتها المتسعة وهي تتم جملتها
وعقبال ما نشوف عوضكم يا رب.
قال مجاملا وهو ينقل ما جاءتا به إلى داخل المطبخ
إن شاءالله.
استوقفته حماته بسؤالها المهتم
أومال العروسة فين 
بلع ريقه وقال
جوا تقدروا تخشوا عندها.
ردت عليه أفكار بأسلوبها المبتهج
تعيش يا عوض.
أمل في قرارة نفسه أن تكون زوجته قد استراحت بدنيا وذهنيا مما خاضته ليلة الأمس وإلا لوقعت أسيرة حصار جديد من اللوم والعتاب فهذه هي طبيعة الحياة هنا في المناطق الشعبية لا مكان للخصوصية ولا مجال لتقدير المشاعر الإنسانية حينما تكون منتهكة ومستنزفة.
مرة ثانية انطلقت الزغاريد عاليا من حلقها وهي تضع يدها على المقبض لتفتح الباب استعدادا لرؤية ابنتها العروس الخجلى في أبهى صورة لها. أطلت بوجهها باحثة بنظراتها اللهفى عنها ولسانها يسبقها في التهنئة
مبروووك يا دوسة آ...
بترت عبارتها عن عمد حينما وجدتها لا تزال متكومة على طرف الفراش وترتدي ثوب عرسها انفلتت منها شهقة مستهجنة وأسرعت ناحيتها تسألها في جزع
إيه ده إنتي لسه بفستانك
لحقت أفكار بها ونظرت إليها مصډومة قبل أن تعنفها في استياء وبمشاعر متحجرة
يا خيبتك!
نظرت عقيلة إلى شقيقتها بنظرة سريعة ثم حولت بصرها عنها لتسأل ابنتها في جزع متصاعد وعيناها تتفحصان وجهها المنتفخ بقلق أكب
مالك عاملة كده ليه
بدلا من إجابتها أجهش بالبكاء المرير فانقبض قلب أمها عليها في حين وبختها أفكار بتعبير ممتعض
بذمتك ده منظر عروسة تفتح نفس جوزها في صباحيتها
ردت عليها عقيلة تعاتبها
بالراحة عليها يا أفكار خلينا بس نفهم في إيه
زمت شفتيها مرددة في سخط وهي تشير بيدها
ما هي الحكاية مش محتاجة تفسير الجواب باين من عنوانه!!
جلست عقيلة مجاورة لابنتها ومدت يدها لتمسح عنها الدموع وهي تتساءل في توتر
احكيلي في إيه حصل
من بين بكائها الشديد ردت نافية
محصلش حاجة يامه أنا صعبان عليا نفسي واللي جرالي.
هدأت مهاج عقيلة إلى حد ما وحاولت مواساتها بكلماتها الآسفة 
متزعليش يا بنتي كله مقدر ومكتوب.
مرة ثانية وأضافت بازدراء
وربنا وشك يقطع الخميرة من البيت!
لم تتحمل فردوس أي إهانة وهي في هذه الحالة البائسة سلطت نظراتها على خالتها وصاحت في حنق
عاوزاني أقوم أرقص وأفرح بعد اللي اتعمل فيا
هزت أفكار كتفيها مرددة وبإيماءة من رأسها
أيوه وتجيبي طبل وزمر وتمشي رافعة راسك وسط الخلق.
نظرت عقيلة إليها بحاجبين معقودين فتابعت شقيقتها بلؤم
يا عبيطة لو مكانش ده حصل كانوا قالوا عنك 
يا ليل.
ثم أشارت لشقيقتها لتنهض لتجلس مكانها واستمرت في إخبارها
إنما دلوقتي إنتي تقدري تقولي للأعور إنت أعور في وشه من غير ما تحسي إنك قليلة.
راحت فردوس تكفكف دمعها بظهر كفها فطلبت منها خالتها بلهجة مالت للأمر
قومي كده تعالي معايا نغيرلك هدومك.
أخبرتها في صدق وهي تشير بيدها إلى موضع قلبها
أنا موجوعة من جوايا ومن آ...
عجزت عن إكمال جملتها حرجا لكن بدت شكواها مفهومة لأمها وخالتها فوخزات الأمس الحادة لن تتعافى بين عشية وضحاها. ضحكت أفكار مستخفة بألمها وعلقت وهي تقوم واقفة
بلاش دلع مرئ!
ثم جذبتها من ذراعها عنوة وهي تلح عليها
قومي يالا بلا هم ده إنتي عروسة لسه بكرتونتها مش خرج بيت!
رغم التجهم المستحوذ على ملامح وجه عقيلة إلا أنها كانت مثل شقيقتها لا تريد لابنتها الوقوف عند لحظة بعينها وتناسي مسئولياتها الجديدة كزوجة عليها ترسيخ دعائم علاقتها مع زوجها لتضمن استمرار حياتها في ظل وجود والدته المتسلطة فالأخيرة ذات تأثير مهدد لاستقرارهما كعائلة. 
لم يمر على وجوده بالمشفى عدة أسابيع إلا وكل بضعة أيام تظهر شكوى غريبة في حقه على أمل النيل من سمعته وزعزعة وضعه كجراح مخضرم ومع ذلك كان قادرا على التعامل بحنكة مع ما يتعرض له من شكاوي مغرضة متوقعا من يقف خلفها لإزعاجه ومضايقته لكنه غض الطرف عن هذه التفاهات إلى أن انتهى المطاف بوجود قوة من أفراد الشرطة تحاصره في مكتبه وكأنه مچرم خطېر على وشك الهروب حيث تم اتهامه في محضر رسمي بالتسبب في ۏفاة أحد المرضى عن طريق الخطأ. أنكر مهاب هذا الاتهام الصريح وهتف نافيا إياه بتحيز ثائر
دي تخاريف!
رد عليه الضابط المسئول
 

34  35  36 

انت في الصفحة 35 من 80 صفحات