حكاية في سنة 1994 مرضت ابنتي الصغيرة
انت في الصفحة 2 من صفحتين
حييت
فقد كان كل من في المستشفى يخدمني خدمة استغربت من مستواها الراقي جدا ولم اسمع بها سوى في مستشفيات الدول المتقدمة في هذا المجال
وبعد ثلاثة ايام امرني الطبيب الذي اجرى العملية الجراحية لابنتي بمغادرة المستشفى فطلب مني الشاب الذي التقيته اول يوم ان تمكث الطفلة في بيته اسبوعا اخر حتى تسترد عافيتها وتستكمل نقاهتها لان السفر متعب والمسافة بعيدة
وفي الليلة السابعة لما وضعوا الطعام على المايدة وتحلقوا للعشاء امتنعت عن الطعام وبقيت صامتا لا اتكلم
قلت وبصوت مرتفع ونبرة حادة والله لن اذوق لكم طعاما الا اذا اخبرتموني من انتم ومن تكونون
انت تخدمني طوال اسبوع كامل ومن قبل بالمستشفي وانا لا اعرفك تخدمني وتبالغ في اكرامي وكانك تعرفني او احد اقاربك وانا لم التق بك من قبل سوى مرة واحدة في المستشفى
من انت بالله عليك
قلت والله لن تدخل فمي لقمة واحدة ولن اكل طعامك ان لم تخبرني من انت ومن تكون
حاول الرجل التهرب من الجواب لكنه وامام اصراري اطرق براسه قليلا ثم قال بنبرة خاڤتة يا عمى ان كنت تذكر فانا ذاك الطفل الذي اعطيته خمسة دنانير سنة 1964 عندما كنت اجلس خلفك في الحافلة
قلت له اه تذكرت انت ابن فلان رحمةالله عليه من قريتنا
نعم نعم لقد تذكرت
يومها كنت في الحافلة متجها من قريتنا الريفية الى احدى المدن القريبة وكان يجلس خلفي صبيان عمرهما لا يتجاوز على ما يبدو الخمسةعشرةعاما سمعت احدهما يحدث الاخر قايلا له هذا العام شحت السماء والخريف يوشك ان ينصرف والارض لا تنبت
فقير ليس بيده ما ينفقه علي ولذلك فانا مضطر لترك الدراسة هذا
العام لعدم استطاعت ابي علي مصاريف الدراسة
لما سمعت الطفلين يتحدثان عن الفقر والحرمان بهذا الوعي الذي لا يدركه الا الكبار تاثرت وضاقت علي الارض بما رحبت
وعلى الفور اخرجت من جيبي خمسة دنانير واعطيتها للصبي وقلت له خذ هذه الدنانير والمبلغ انذاك كبيرا وكان يفي لشراء الادوات المدرسية كلها
تهللت اسارير الطفل وتناول الدنانيرالخمسة وابتسم ابتسامة الرضا والسرور ودسها في جيبه
ونسيت من يومها هذا الموقف مع ذاك الصبي
قال الشاب انا يا عم ذلك الصبي ولولا تلك الدنانير الزهيدة لما اصبحت اليوم بروفيسورا في اكبر مستشفى بالجزاير
وها قد التقينا بعد ان من الله علي باعلى المراتب في انبل واشرف المهن فقد افترقنا سنة 1964 وها نحن نلتقي سنة 1994 بعد 30 سنة بالتمام والكمال
والحمد لله ان قدرني ربي لارد لك بعض الجميل
يا عم الدنانير الخمسة التي اعطيتها لي صنعت مني استاذا في الطب
يا عم والله لو اعطاني احد كنوز الدنيا لما فرحت بها الان كفرحي يومها بتلك الدنانير الزهيدة
يا عم افضالك علي كبيرة والله مهما فعلت فلن ارد لك الجميل
فاسال الله ان يجازيك خير الجزاء في الدنيا والاجر الكبير في الاخرة
الشاهد من القصة هي
صنايع المعروف تقي مصارع السوء
وكما تدين تدان وكل ساق سيسقى بما سقى يوما ما