الثلاثاء 03 ديسمبر 2024

حكاية في سنة 1994 مرضت ابنتي الصغيرة

انت في الصفحة 2 من صفحتين

موقع أيام نيوز

حييت
فقد كان كل من في المستشفى يخدمني خدمة استغربت من مستواها الراقي جدا ولم اسمع بها سوى في مستشفيات الدول المتقدمة في هذا المجال 
وبعد ثلاثة ايام امرني الطبيب الذي اجرى العملية الجراحية لابنتي بمغادرة المستشفى فطلب مني الشاب الذي التقيته اول يوم ان تمكث الطفلة في بيته اسبوعا اخر حتى تسترد عافيتها وتستكمل نقاهتها لان السفر متعب والمسافة بعيدة  
استحييت من كرمه وخيره وقولت له سنعود لقريتنا افضل لكنه اصر اصرارا شديدا واستجبت له ومكثت في ضيافته سبع ليال وكانت زوجته تخدم ابنتي وكان هو واولاده يترفقون بي وبابنتي ويعاملونني بمنتهى الرقة واللطف والادب 
وفي الليلة السابعة لما وضعوا الطعام على المايدة وتحلقوا للعشاء امتنعت عن الطعام وبقيت صامتا لا اتكلم 
قال لي الشاب كل يا عم كل ما الم بك  
قلت وبصوت مرتفع ونبرة حادة والله لن اذوق لكم طعاما الا اذا اخبرتموني من انتم ومن تكونون
انت تخدمني طوال اسبوع كامل ومن قبل بالمستشفي وانا لا اعرفك تخدمني وتبالغ في اكرامي وكانك تعرفني او احد اقاربك وانا لم التق بك من قبل سوى مرة واحدة في المستشفى 
من انت بالله عليك 
قال يا عم كل هيا كل وبعد العشاء اخبرك 
قلت والله لن تدخل فمي لقمة واحدة ولن اكل طعامك ان لم تخبرني من انت ومن تكون
حاول الرجل التهرب من الجواب لكنه وامام اصراري اطرق براسه قليلا ثم قال بنبرة خاڤتة يا عمى ان كنت تذكر فانا ذاك الطفل الذي اعطيته خمسة دنانير سنة 1964 عندما كنت اجلس خلفك في الحافلة 
انا فلان ابن فلان 
قلت له اه تذكرت انت ابن فلان رحمةالله عليه من قريتنا 
نعم نعم لقد تذكرت 
يومها كنت في الحافلة متجها من قريتنا الريفية الى احدى المدن القريبة وكان يجلس خلفي صبيان عمرهما لا يتجاوز على ما يبدو الخمسةعشرةعاما سمعت احدهما يحدث الاخر قايلا له هذا العام شحت السماء والخريف يوشك ان ينصرف والارض لا تنبت
شييا وابي فلاح
فقير ليس بيده ما ينفقه علي ولذلك فانا مضطر لترك الدراسة هذا
العام لعدم استطاعت ابي علي مصاريف الدراسة 
لما سمعت الطفلين يتحدثان عن الفقر والحرمان بهذا الوعي الذي لا يدركه الا الكبار تاثرت وضاقت علي الارض بما رحبت  
وعلى الفور اخرجت من جيبي خمسة دنانير واعطيتها للصبي وقلت له خذ هذه الدنانير والمبلغ انذاك كبيرا وكان يفي لشراء الادوات المدرسية كلها 
رفض الصبي اخذ الدنانير فقلت له ولماذا يا ولدي قال ربما يظن ابي اني سرقتها قلت قل له فلان بن فلان اعطاني اياها لشراء الادوات المدرسية فان اباك يعرفني تمام المعرفة 
تهللت اسارير الطفل وتناول الدنانيرالخمسة وابتسم ابتسامة الرضا والسرور ودسها في جيبه 
ونسيت من يومها هذا الموقف مع ذاك الصبي 
قال الشاب انا يا عم ذلك الصبي ولولا تلك الدنانير الزهيدة لما اصبحت اليوم بروفيسورا في اكبر مستشفى بالجزاير 
وها قد التقينا بعد ان من الله علي باعلى المراتب في انبل واشرف المهن فقد افترقنا سنة 1964 وها نحن نلتقي سنة 1994 بعد 30 سنة بالتمام والكمال 
والحمد لله ان قدرني ربي لارد لك بعض الجميل 
يا عم الدنانير الخمسة التي اعطيتها لي صنعت مني استاذا في الطب 
يا عم والله لو اعطاني احد كنوز الدنيا لما فرحت بها الان كفرحي يومها بتلك الدنانير الزهيدة 
يا عم افضالك علي كبيرة والله مهما فعلت فلن ارد لك الجميل 
فاسال الله ان يجازيك خير الجزاء في الدنيا والاجر الكبير في الاخرة 
الشاهد من القصة هي 
صنايع المعروف تقي مصارع السوء 
وكما تدين تدان وكل ساق سيسقى بما سقى يوما ما

انت في الصفحة 2 من صفحتين