حكاية كاملة بقلم ندى محمود
وصممها لها فوق أرض الواقع !
لطالما حلمت وتمنت أن تمتلك دار للأيتام تأوي فيه أطفال الشوارع المشردين وتعطيهم فرصة لحياة أخرى وجديدة بدلا من تلك التي سلبت منهم
كل اللي جاي ليكي وبس يارمانتي تتمني أي حاجة بس وأنا انفذها لو طلبتي نجمة من السما مش بعيدة عليكي
زاد انهمار دموعها فوق وجنتيها بصمت لتلتفت له وتطالعه بعشق وامتنان لأول مرة يراها تتطلعه بهذا الشكل لم يكن الحب الذي بعينها كأي مشاعر سابقة شهدها منها مختلفة حتى في ابتسامتها التي شابهت طفلة صغيرة أو بالأدق كطفلتهم تماما حين تستحوذها السعادة
أنا لو هتمني حاجة تاني من ربنا هي أنه يخليك ليا ياعدنان
ويخليكي ليا ياحبيبتي إنتي وهنا وابني اللي جاي في الطريق
ابتعدت عنه ورفعت يديها تجفف دموعها لتهمس له باسمة بتعجب
أنت دايما بتتكلم عنه بصيغة الذكر إيه عرفك إنه هيكون ولد
احساس قوي بيقولي إنه هيكون ولد
رأت في عيناه رغبته ولمعته المختلفة التي تعبر عن أنه يتمنى أن يكون الطفل الثاني لهم صبي فابتسمت وتمتمت بعدما مالت عليه ولثمت وجنته برقة
أن شاء الله يكون ولد ياحبيبي ويبقى شبهك كمان
دنى منها ولثم جانب ثغرها بحب ثم أردف بجدية امتزجت بحماسه
لمعت عيناها بتشويق مماثل له وهتفت بفرحة غامرة
يلا
الفترة اللي كنت بغيب فيها الليل كله عن البيت وبرجع متأخر وبتكلم طول الوقت في التلفون وبعيد عنك كان بسبب تجهيزات الدار مكنتش عايزك تشكي ولا تعرفي أي حاجة إني بجهزلك للمفاجأة دي
طالت
نظراتها العابسة إليه نظرة ممتلئة بالندم والاعتذار على حماقتها وما حالت إليه علاقتهم بسبب سذاجتها وعدم ثقتها به زمت شفتيها بحزن وتمتمت بأسف صادق
عدنان بصوت رجولي قوي لكنه يحمل الحنو
أنا مش بقولك كدا على تعتذري احنا قفلنا اللي فات كله وفتحنا صفحة جديدة وأنا نسيت لكن بقولك عشان اثبتلك أننا رغم كل اللي مرينا بيه في علاقتنا لسا مع بعض أهو
عشان الزهرة متقدرش تتخلى عن عقابها
رأته يتأملها بعينان هائمة كلها رغبة وغرام وكأنها سلبت عقله منه فراح يدنو منها دون أن يشعر لكنه توقف فجأة وبعينان متسعة لكليهما حين صدح صوت رجل مسن كان مارا من أمام الدار ورأى مشهدهم الرومانسي من خارج البوابة فظنهم عشاق بالسر ليقول پغضب وقرف
مراتي والله يا حج !!!
بينما جلنار فاڼفجرت ضاحكة وقبل أن تتعالي صوت ضحكاتها أكثر وجدته يرمقها شزرا ويقول وهو يدفعها للداخل
ادخلي جوا عاجبك اللي حصل ده بسببك الراجل افتركني شاقطك
الله وأنا مالي أنا كمان !
عاد يتطلع باتجاه البوابة من جديد ويقول بحيرة
وهو طلع من فين كمان المنطقة لسا متعمرتش ومفيهاش ناس كتير
غير قليل جدا
سكت لثواني ثم تابع بخنق
ما تدخلي جوا يلا واقفة ليه !!
جلنار بحماس
أيوة يلا عشان اتفرج على الدار من جوا كويس كمان
عادت البسمة العبثية لشفتيه وغمز لها بوقاحة متمتما
لا عشان نكمل كلامنا
ثم وجدته يلف ذراعه حول كتفيها ويضمها إليه ليسروا معا للداخل وهو يتابع بخبث
قوليلي بقى احنا كنا وقفنا فين كنتي بتقولي الزهرة لا تتخلى عن عقابها !
تعال صوت ضحكاتها الأنثوية وهو تنعته بوصف واحد وسط ضحكها وقح
توقفت السيارة أمام مبنى سكني ضخم وفاخر يحوى العديد من الشقق السكنية رفعت أسمهان نظرها من داخل السيارة لذلك الارتفاع الشاهق ثم انزلت رأسها وتحدثت للسائق وهي تفتح الباب
خلاص ارجع أنت ياسعيد متستننيش
رد السائق بهدوء
تمام
ياست هانم لو احتجتي أي حاجة كلميني بس
لم تجيبه وخرجت من السيارة لتقود
خطواتها لداخل البناية لكن الحارس أوقفها وهو يقول بحزم بسيط
طالعة لمين ياهانم
أسمهان بصوت قوي
آدم الشافعي
أجابها الحارس بتأكيد وابتسامة خاڤتة
حضرتك والدته صح
اكتفت بإماءة بسيطة كرد على سؤاله لتجده يرحب بها ببشاشة ويقول بأسلوب مختلف تماما عن البداية
اتفضلي يا هانم شقة آدم بيه في الدور التاسع شقة رقم 20
أسمهان في خفوت تام وهي تهم بالتحرك لتكمل طريقها لداخل البناية حيث المصعد الكهربائي
تمام متشكرة
سارت بخطوات هادئة حتى المصعد واستقلت به لتضغط على زر الطابق التاسع لحظات قاربت على الدقائق حتى انفتح باب المصعد من جديد لكن أمام الطابق المطلوب وخرجت منه ثم اخذت تتلفت حولها تبحث عن رقم الشقة فالتقطت عيناها الرقم المدون فوق شقته 20
تقدمت نحوها ووقفت للحظات تأخذ نفسا عميقا تتمني أن تنجح تلك المحاولة وتكون الأخيرة رفعت أناملها وضغطت على زر الجرس وانتظرت لكن دون رد فعادت تضغط للمرة الثانية وأيضا دون رد لوهلة ظنت أنه ليس بالمنزل لكن حين رفعت يدها لتهم بالضغط للمرة الثالثة انفتح الباب !
كان يرتدي قميص أبيض بنصف أكمام وبنطال أسود وبيده يمسك بهاتفه يبدو أنه كان
في محادثة مع أحدهم
طالت نظراته المدهوشة بزيارة أسمهان المفاجئة لكن سرعان ما أخذ نفسا عميقا ورفع الهاتف لأذنه يرد على الطرف الآخر الذي اتضح أنه مهرة حين هتف
طيب سلام دلوقتي يامهرة نبقى نكمل كلامنا بعدين
وانهى الاتصال معها لينزل الهاتف ويضعه بجيب بنطاله ثم يطالع أمه بنظرة جامدة ويفسح لها الطريق للدخول ففعلت أسمهان بصمت دون كلمة واحدة ودخلت اغلق هو الباب خلفها وتابعها بنظراته وهو يراها تتجول بنظرها بين أرجاء المنزل بأكمله تتفحص كل قطعة به كأنها تتأكد وتطمئن على كيفية تكيفه على الحياة بمفرده بعيدا عنها
فجأة وجدها تلتفت له وتسأله بعفوية تامة كأنها نست كل شيء
اتغديت ولا لسا ياحبيبي
ابتسم بخفة ثم رد مؤكدا
اتغديت الحمدلله
ابتسمت هي أيضا لكن بحزن لتقترب منه وتهمس بعينان دامعة
مش كفاية يابني عقابك ليا صدقني أنا ندمت يا آدم ومستحيل اكرر أي غلط تاني أنا اتغيرت سامحني يابني وارجع أنا مش قادرة اعيش من غيرك أنت وأخوك بمۏت كل يوم ألف مرة في بعدكم عني البيت وحش أوي من غيرك يا آدم
آدم بضيق وصوت صلب
إنتي اللي وصلتينا للمرحلة دي
ياماما
اندفعت نحوه ورفعت يديها تحتضن وجهه بينهم هاتفة پبكاء وندم صادق
أنا آسفة ياحبيبي اوعدك إني هكون الأم اللي تفتخر بيها بجد أنت وعدنان لا يمكن اغلط أي غلطة تاني وازعلكم مني إنتوا كل حاجة بنسبالي دلوقتي وعندي استعداد اتخلي عن أي شيء في سبيل إنكم تسامحوني
طال تمعنه بها في استسلام اڼهارت جميع حصونه ولم يعد بإمكانه الصمود أكثر من ذلك مهما فعلت ستظل أمه ومهما حدث لن يتوقف عن الاشتياق لها لن يتمكن أبدا من كرهها حبها فطرة خلقه الله بها !
لانت نظراته الصارمة وأصبحت دافئة كطفل صغير وهو يجيبها بتأكد
واحنا ملناش غيرك ياماما !
تلك الجملة تأثيرها عليها كاد أن يجعلها تفقد وعيها من فرط السعادة و أعادت الضوء والبهجة لوجهها المنطفئ فوجدت نفسها ټنفجر باكية وهي تعانقه بقوة هاتفة بحړقة وحنان أمومي
وحشتني أوي يا آدم وحشتني يابني ربنا يخليك ليا أنت وعدنان وميحرمنيش منكم
هو أيضا أحس بروحه التائهة استقرت بجسده بعد عناقها له ليتمتم بدفء
وإنتي كمان وحشتيني ياماما بس اللي عملتيه كان صعب جدا أننا ويمكن لغاية دلوقتي مش قادر أصدق ولا أتقبل بس مقدرش أنكر أن حتى أنا اشتقت ليكي وللأكل من إيدك وحضنك ليا وحجات كتير
أسمهان بضحكة مشرقة وفرحة غريبة
بس كدا من عنيا ياحبيبي مفيش حد هيعملك الأكل غيري في البيت من هنا ورايح لغاية فرحك ولا سماح ولا غيره
بربنا
يديكي الصحة ويخليكي لينا
لم تتحدث فقط استمرت بالتحديق به في ابتسامة عاطفية وعينان دامعة من فرط الفرحة لا تصدق أن أخيرا كل شيء سيعود لطبيعته بعد أن كادت أن تفقد الأمل في نيل مسامحة أولادها وعودتهم لها أخيرا تحققت أمنيتها التي لطالما قضت الليالي السابقة تدعي ربها بها
داخل منزل حاتم الرفاعي
ردت عليه بلهجتها اللبنانية الرقيقة
كل خير ان شاء الله ياحياتي
زاد تعجبه أكثر لكنه اكتفى بابتسامته العبثية وقرر عدم السؤال مرة أخرى فإن كانت تخفي شيء عنه حتما سيظهر
نادين پصدمة وخجل بسيط
ما أنا فاهمة بقصد خبرني
بالأول حتى اطلع لبعيد على الأقل مش هيك بتنزع الفوطة قدام وشي
حاتم ببرود مستفز متعمد إثارة غيظها
طيب اديني ضهرك خلاص عشان انزعها
نادين بضحكة مغلوبة
بلا سخافة !
بادلها الضحك وهو يجيب
مهو هرد عليكي اقولك إيه يعني خلاص مكسوفة اطلعي برا ياحبيبتي
اتسعت عيناها پصدمة على ردوده الجريئة لتهب واقفة وتهتف بغيظ وعدم حيلة
يا الله صبرني على هاد الوقح لك ما في ذرة خجل عندك
حاتم ببرود وضحكة بسيطة
أيوة يعني أنتي عايزة إيه برضوا مش فاهم اغير طيب ولا هتطلعي ولا هتعملي إيه بظبط !!!
ضړبت كف على كف وهي تضحك بصوت عالي ثم استدارت توليه ظهرها دون أن تتحدث كإشارة له أن يبدأ في ارتداء ملابسه
ارتدي بنطاله وانحنى على الفراش يهم بالتقاط قميصه لكن يده توقفت بمنتصف الطريق حين لمح شريط أبيض اللون وبداخله شرطتين باللون الأحمر رمش بعيناه عدة مرات في صدمة وعدم استيعاب ثم التقطه بين ذراعيه يتأمله بتدقيق أكثر وكأنه يتأكد مما يراه بعيناه حتى فجأة صدح صوته وهو يضحك بذهول
نادين ده اختبار حمل صح !
ابتسمت باتساع حين سمعت جملته وفورا استدارت له لتطالعه بفرحة وتوميء بإيجاب فتجده ينقل نظره بينها وبين الشريط بعدم تصديق ثم القى به فوق الفراش بإهمال واندفع نحوها ليحملها فوق ذراعيه ويدور بها في سعادة ولم يتوقف إلا حين سمع صوتها وهي تهتف ضاحكة
حاتم بيكفي نزلني
وقفت على الأرض ورأته يسألها بسعادة مفرطة وحماسة غريبة
اوعي تكون دي حركة من حركاتك اللي بتعمليها علطول والله اعلقك في المروحة يانادين
قهقهت بقوة وردت عليه باللهجة المصرية ساخرة
لا طبعا أنت مش شايف قدامك يعني بعدين هكدب عليك في حاجة زي كدا إزاي أنا حامل بجد
حاتم
بجد بجد
أي عنجد شو صار لك أنت !!
حاتم بابتسامة تملأ وجهه كله
مش مصدق من كتر الفرحة يانادين والله
لفت ذراعيها حول رقبته وهمست بدلال أنوثي
لا صدق راح تصير أب عن قريب جدا وراح يكون عندنا ولد
ربنا يخليكي ليا يانادين لا يمكن تتخيلي أنا فرحان إزاي دلوقتي ياحبيبتي أنا بحبك
نادين بغرام وعاطفة جياشة
وأنا كمان بحبك أوي
ضمھا لصدره وهو يتنهد الصعداء بابتسامة سعيدة ووسط لحظاتهم الغرامية والخاصة قطع ذلك رنين هاتفه فألقى نظره عليه من بعيد يقرأ اسم المتصل وسرعان ما تأفف بغيظ ليقول وهو يبعد زوجته عنه
عدنان