حكاية كنت معاها بقلم الكاتبة شهد محمد جادالله
رضت بما كتب لها واحتسبته عند الله فربما حدث ذلك لينتشلها من سباتها ويجعلها تثور لكبريائها قبل أن تهدر سنوات أخرى مغيبة تحت وطأة رجل مثله
رهف وبعدين معاك هتفضلي سرحانة كده كتير
قالتها سعاد كي تحفز رهف التي كانت ساهمة طوال الوقت بعد ما حدث وكأنها بعالم منعزل لا يمت لعالمهم بشيء تنهدت رهف ببسمة باهتة و طمأنتها
نفت سعاد برأسها و واستها وهي تجلس بجوارها وتربت على يدها
والله مش مستهونة بيه أنا
عارفة أن اللي حصل صعب عليك بس لازم تقوي نفسك علشان تعرفي تاخدي حقك وتقفي على رجلك من تاني
أومأت رهف بعيون أصبحت فارغة لا شيء يسكنها سوى الحزن ثم اجابتها
تنهدت سعاد وقالت بتشجيع
طب يلا قومي ألبسي علشان نخرج الولاد انا لما صدقت ولادي الاندال رجعوا من عند حماتي وعايزة اخرج معاهم قبل ما الاجازة تخلص
نكست رهف رأسها وهمهمت معتذرة
آسفة يا سعاد بوظتلك أجازتك ولخمتك معايا في مشاكلي وخليتك انشغلتي عن ولادك
أنت بتقولي أيه احنا أخوات يعني مفيش بينا الكلام دهده انا بحمد ربنا اني نزلت في التوقيت ده علشان ابقى موجودة معاك وإذا كان على الولاد فمتقلقيش عماتهم وجدتهم غرقوهم فسح وخروجات
أبتسمت رهف بإمتنان عظيم لها بينما هي استأنفت قائلة
يلا بقى الله يخليك قبل ما صاحبتك الزنانة ما تيجي وتوجع دماغنا وتستعجلنا
هيسارة زنانة بس جدعة كفاية أنها عطتنا مفتاح الشاليه بتاعها وخلتنا نقعد فيه طول الفترة اللي فاتت وجوزها هو اللي قام بكل إجراءات القضية
أيدتها سعاد
الحمد لله أن جوزك ما يعرفهاش أوي ولا يعرف تفاصيل عنها وبعدين أنا معاك هي جدعة بس ده ميمنعش انها زنانة يا رهف ده أنا دماغي بتورم لما بشوفها
ابتسمت رهف بينما استأنفت سعاد وهي تنهض تفتح خزانة الملابس تنتقي بعض الملابس لها
تنهدت رهف تنهيدة مثقلة وأجابتها
سارة كتير كانت بتلح عليا زمان بس أنا كان عندي أولاويات تانية أنا وعدتها بس الأول أنا محتاجة شوية وقت أرتب حياتي من أول وجديد
بتفكري في أيه
زفرت هي نفس ثقيل من على صدرها وقالت بصمود قوي رغم
هشيم دواخلها
لازم أرجع مش هفضل هربانة منه ولازم اواجهه ده غير أن الولاد لازم يرجعوا للدراسة كفاية الوقت اللي ضاع
نفت سعاد بعدم اقتناع
إزاي بس يا رهف وافرضي اتعرضلك و أذاك تاني ده انا كنت شايلة هم حضورك جلسات المحكمة تقوليلي هرجع وأوجهه انا مش موافقاك ابدا
حانت من رهف عابرة وأخبرتها بقوة نشبت بداخلها بعد نكبتها
متقلقيش عليا مفيش حاجة ممكن تأذيني اكتر من اللي عمله فيا وبعدين انا اخدت حذري منه وهو مش غبي علشان يورط نفسه تاني معايا
هزت سعاد رأسها واقترحت
خلاص نبقى نشوف شقة بعيد ويكون هو ميعرفش عنوانها أأمن
نفت رهف برأسها وأخبرتها بصمود غريب وإصرار أغرب
لأ انا هرجع البيت اللي اتربيت فيه واعيش هناك أنا والولاد أنت عارفة إني بحب الشقة وبرتاح فيها ده يعني لو معندكيش مانع
لأ طبعا ده بيتك لتتنهد وتضيف
رغم خۏفي عليك بس مفيش قدامي غير إني ادعيلك دي حياتك أنت وليك مطلق الحرية فيها وأنا بثق فيك ومتأكدة انك هتعرفي تتصرفي وتاخدي قرارات صح وهتقدري تتخطي كل اللي فات
أبتسمت رهف وأخبرتها بإمتنان
مش عارفة من غيرك كنت عملت أيه يا سعاد ربنا يخليك ليا
أما عنها فقد اندثرت هواجسها وقناعاتها تماما ولم يتبقى شيء منها سوى ذلك الندم الذي يفتك بها وتحاول جاهدة التكفير عن أخطاءها تجاهه وتجاه والدته وكم لامت نفسها كونها كانت غافلة عن كل تلك السعادة والدفء التي تنعم به الأن فبعد تلك الليلة الحالمة التي طبعت بذاكرتهم للأبد تغيرت معاملتها له بنسبة كبيرة فقد اصبحت تطيعه بكل شيء بلا نقاش وتتفهم خوفه عليها بكل طواعية حتى أنها اعتذرت من ثريا وأبدت ندمها فما كان من ثريا غير أن تتفهمها وتلتمس لها الأعذار وترشدها إلى الصواب وتؤكد لها أنها مهما فعلت ستظل ابنتها التي تربت على يدها فكان الأهتمام والحنو الذي يغدقوها به جعلها ټلعن ذاتها في اليوم ألف مرة كونها اهدرت كل ذلك الوقت وهي مغيبة تحت وطأة اڼتقام واهي وشكوك بالية ليس لها أي اساس من الصحة إلا برأسها
أما عن صاحب الناعستين الدافئة فقد أصبحت بسمته لا تفارق وجهه بتاتا من حينها وكأنه وجد ضالته بعد سنوات شقاء فكان في أوج سعادته وهو يلحظ تغيرها الجذري معه ومع والدته فذلك المنزل الذي كان يضج دائما بالمشاحنات والضجيج أحتله السلام أخيرا واصبح الحب هو من يسوده
فحتى هو كان له مبادرة في ذلك التغير حين غير سياسته السابقة معها بعد أن أخذ عهد على ذاته أنه لن يرهبها مرة أخرى فبعد اعترافها الصريح له أطمئن قلبه وسكن بين أضلعه ولم يعد بحاجة لهذا فقد أصبح يشاركها تفاصيل يومه ويتلهف لردود أفعالها يتحين الفرص كي يشاكسها و يستمتع بخجلها وكما وعدها لم يفرض عليها أمر فقد سمح لها ان تذهب لجامعتها وقد أعاد لها هاتفها وابتاع لها جهاز
لوحي أخر حتى أنه أهداها سيارة أخرى احدث موديل بنفس لونها المفضل ولكنها فاجأته عندما قالت له انها لاتريد أي شيء سواه فلم تجربها حتى بل كانت لا تخطوا خارج باب البيت إلا برفقته هو فحتى جامعتها أعرضت عن الذهاب لها وهاتفها لم تقم بفتحه إلى الآن لاينكر أن الأمر اشعره بالغرابةقليلا كونه مخالف لطبيعتها ولكنها كانت تؤكد له أنها لاتريد شيء أن يشغلها عنه وتريد أن تعوض كل ما فاتها معه
فهمتي يا مغلباني ولا في حاجة تانية واقفة معاك
قالها هو حين انتهى من شرح أحد المواد التي تطوع بتدريسها لها بينما هي كانت بعالم موازي تهيم به قائلة
فهمت يا حبيبي
ابتلع ريقه وزاد وجيب قلبه من ذلك اللقب التي اصبحت تمنحه اياه وقال وهو يهيم بليل عيناها
يالهوي عليا وعلى حبيبي اللي بتطلع منك أنت عايزة تجيبي أجلي يا نادين مش كده
نفت برأسها مستنكرة وقالت ببطء ممېت
بعد الشړ عليك يا قلب يا نادين بلاش علشان خاطري تقول كده تاني
أبتلع ريقه ببطء تحت وطأة اناملها التي تكاد تفقده ثباته وأومأ لها بهزة صغيرة من رأسه ثم رد ببحة صوته المميزة التي تعشقها
أنت أزاي كده أنا مش مصدق أنك هي!
حانت منها تلك البسمة المهلكة خاصتها التى لطالما اوقعته بها وأخبرته بقناعات جديدة اكتسبتها بفضل أخطائها السابقة
لأ أنا هي يا حبيبي بس الأول كنت بتحاما بعقلي ومفكرة إني قوية ومفيش حاجة تغلبني لكن دلوقتي أنا لغيت عقلي علشان اكتشفت ان كل اللي كان بيسيطر عليا بيه ملهوش اساس وأن القوة اللي كنت بتقمصها دي مكنتش غير إني بعاند نفسي علشان معترفش بضعفي قدامك وتأثيرك عليا انا بجد ندمانة على الوقت اللي ضاع مننا بسببي بس اوعدك هنعوض كل حاجة مع بعض من تاني ومش هخلي دقيقة تفوت إلا وأنا جنبك
حديثها جعل قلبه يتراقص بين أضلعه
أنا حاسس إني أسعد واحد في الدنيا صدقيني مش عايز حاجة تانية
غيرك أنت كل احلامي يا نادين
وأنت حياتي كلها يا يامن أنا مليش غيرك اوعى تبعدني عنك
أبعدك! ده أنا نفسي أزرعك جوة قلبي واخبيك عن الدنيا كلها قولتلك ألف مرة أنت الروح لروحي يعني لو بعدتي أموت
يامن وبعدين معاك ابعد وبلاش تحرجني مامتك هتشوفنا
قلب يامن وروحه وعقله أنت
نفضهم صوت ثريا
انتو فين يا ولاد
لتدخل ثريا وبيدها كوبين من العصير الطازج قائلة وهي تضعهم على الطاولة
لسة بتذاكرو ما كفاية بقى يا ولاد وتعالوا اقعدوا معايا
لتزجر يامن وتقول
سيبها تشم نفسها شوية يا ابني
أيدتها وهي تحرك يدها امام وجهها تستجدي الهواء فقد أصبح وجهها يشتعل من شدة خجلها
اه قوليله يا ماما ثريا أحسن هيحصلي حاجة
عقبت ثريا بمحبة خالصة لها
بعد الشړ عليك يا بنتي إن شاء الله اللي يكرهك
لاحت على ثغره بسمة عابثة ورفع حاجبيه وأجابها بمغزى تعلمه هي تمام المعرفة
عندي حاجات مش بتهاون فيها يا أمي
وأظن هي لازم تبقي عارفة كده كويس من دلوقتي
قال جملته الأخيرة وهو يغمز لها بتسلية مما جعل سوداويتها تتسع وتبتلع ريقها بتوتر اكبر فكانت تكاد ټموت من الخجل وهي ترى نظرات ثريا لها وتلك البسمة التي تعلو وجهها وتدل أنها تتفهم ماذا يعني لذلك تلعثمت قائلة وهي تؤشر له بحركة متوعدة دون أن تلتقطها عيون ثريا
هاااا اه وماله
أبتسم هو بعبثية تامة بينما ثريا تناوبت النظرات بينهم ثم تنهدت بأرتياح وهي تراهم بتلك السعادة التي طالما تمنتها لهم فقد لاحظت تغير نادين بنفسها من انسجامهم و معاملتها لها في الآونة الأخيرة لذلك تشجعت قائلة وهي تتجه لأحد المقاعد القريبة وتجلس عليها
طيب مش ناوين تفرحوا قلبي بقى يا ولاد
تركزت نظراتهم عليها ولم يجرأ احد أن يبادر بالرد ولكن ثريا حاصرتهم بحديثها قائلة
قصدي يعني الحمد لله الأمور اتصلحت بينكم ومفيش داعي للأنتظار اكتر من كده انا نفسي اشوف ولادكم قبل ما أموت
هرول إليها قائلا بعتاب
بعد الشړ عليك يا أمي بلاش سيرة المۏت الله يخليك أنت عارفة مبحبهاش
ده قدر ومكتوب يا ابني ومحدش هيخلد فيها أنا بس نفسي تفرحوا قلبي واطمن عليكم واشوف ولادكم ومش عايزة حاجة تانية من الدنيا
بينما هي من موضعهم وقالت وهي تضع على رأس ثريا
بعد الشړ عليك يا ماما ثريا ربنا يخليك لينا
حانت من ثريا بسمة حانية شملتهم الاثنين بها ثم قالت بتحفيز
يبقى تسمعوا كلامي وتفرحوا قلبي
توردت هي واعتلت البسمة وجهها وأخذت تفرك بأناملها بينما هو كان ينظر لها نظرات مفعمة بلهفة قلبه التي جعلت ثريا تباغتهم قائلة
البيت ده من ساعة ما ماټ عادل ومدخلتهوش الفرحة وأنا عايزة فرح كبير يتحاكى بيه البلد كلها
تنهد تنهيدة مثقلة بضجيج قلبه ثم قال ببسمة هادئة
أنا معنديش مانع بس المهم رأي العروسة
اتسعت بسمتها ونكست رأسها لتؤكد ثريا
السكوت علامة الرضا مش كده يا نادين
زاغت نظراتها بينهم وقطمت شفاهها وأومأت برأسها بنعم لتتهلل اساريره وينهض قائلا بلهفة لامثيل لها
بجد موافقة
تحمحمت هي بخجل وأكدت
اه موافقة بس
كادت تستأنف ولكنه قاطعها بتفهم
عارف هيبقى
بعد امتحاناتك و بعد عيد ميلادك يعني كمان شهرين
وافقته ببسمة واسعة ولكنها بعد وهلة اندثرت تدريجيا حين تذكرت واحدة