حكاية الزوجة الصالحة والأبن البار
انت في الصفحة 2 من صفحتين
الساحة موطئا لقدم وأجال بصره فى الناس فإذا فيهم شيوخ معممون ورجال تدل هيئاتهم على أنهم لهم منزلة وشأن وشبان كثيرون قد جثوا على ركبهم وأخذوا أقلامهم بأيديهم وجعلوا يلتقطون ما يقوله الشيخ كما تلتقط الدرر ويحفظونه فى دفاترهم وكان الناس متجهين بأبصارهم إلى حيث يجلس الشيخ منصتين إلى كل ما يلفظ من قول حتى لكأن على رؤوسهم الطير وكان المبلغون ينقلون ما يقوله الشيخ فقرة فقرة فلا يفوت أحدا شئ من كلامه مهما كان بعيدا وحاول فروخ أن يتبين صورة الشيخ فلم يفلح لموقعه منه وبعده عنه لقد راعه منه بيانه المشرق وعلمه المتدفق وحافظته العجيبة وأدهشه خضوع الناس بين يديه وما هو إلا قليل حتى ختم الشيخ مجلسه ونهض واقفا فهب الناس متجهين نحوه وتزاحموا عليه وأحاطوا به واندفعوا وراءه يودعونه إلى خارج المسجد وهنا الټفت فروخ إلى رجل كان يجلس بجانبه وقال قل لى بربك من الشيخ! فقال الرجل باستغراب أو
الشيخ! فقال فروخ أعذرنى إذا كنت لا أعرفه فلقد أمضيت نحوا من ثلاثين عاما بعيدا عن المدينة ولم أعد إليها إلا أمس فقال الرجل لا بأس اجلس إلي قليلا لاحدثك عن الشيخ ثم قال إن الشيخ الذى استمعت إليه سيد من سادات التابعين وعلم من أعلام المسلمين وهو محدث المدينة وفقيهها وإمامها على الرغم من حداثة سنه فقال فروخ ما شاء الله لا قوة إلا بالله فأتبع الرجل يقول وإن مجلسه يضم كما رأيت مالك بن أنس وأبا حنيفة النعمان ويحيى بن سعيد الأنصاري وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم وغيرهم وهو فوق ذلك
فيه نص ويأتيهم بالحكم فيما أشكل عليهم على وجه ترتاح إليه النفوس وتطمئن له القلوب فقال فروخ فى لهفة ولكنك لم تنسبه لى فقال الرجل إنه ربيعة بن فروخ المكنى بأبى عبد الرحمن لقد ولد بعد أن غادر أبوه المدينة مجاهدا فى سبيل الله فتولت أمه تربيته وتنشئته ولقد سمعت الناس قبيل الصلاة يقولون إن أباه عاد عند ذلك تحدرت من عينى فروخ دمعتان كبيرتان لم يعرف لهما الرجل سببا فمضى يسرع الخطى نحو بيته فلما رأته أم ربيعة والدموع تملأ عينيه قالت ما بك يا أبا ربيعة فقال ما بى إلا الخير لقد رأيت ولدنا ربيعة فى مقام من العلم والشرف والمجد ما رأيته لأحد
نفسك بما فعلت فقال نعم وجزيت عنى وعنه وعن المسلمين خير الجزاء. من كتاب صور من حياة التابعين للدكتور عبد
الرحمن رافت