حكاية لا تنسى ربك في الشدة والرخاء
قصة جريج العابد ..
كان جريج في أول أمره تاجرًا ، وكان يخسر مرة ويربح أخرى ، فقال : ما في هذه التجارة من خير ، لألتمسنّ تجارة هي خير من هذه التجارة ... فانقطع للعبادة والزهد، واعتزل الناس ، واتخذ صومعة يترهَّب فيها ، وكانت أمُّه تأتي لزيارته بين الحين والحين ، فيطلّ عليها من شُرْفة في الصومعة فيكلمها ، فجاءته في يوم من الأيام وهو يصلي ، فنادته ، فتردد بين تلبية نداء أمه وبين إكمال صلاته ، فآثر إكمال الصلاة على إجابة نداء أمه ، ثم انصرفت وجاءته في اليوم الثاني والثالث ، فنادته وهو يصلي كما فعلت في اليوم الأول ، فاستمر في صلاته ولم يجبها ، فڠضبت غضبًا شديدًا ، ودعت عليه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى- فاستجاب الله دعاء الأم ، وهيّأ أسبابه ، وعرّضه للبلاء .
فقد تذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته وزهده ، فسمعت بذلك امرأة بغي يضرب الناس المثل بحسنها وجمالها ، فلما تعرضت له لم يأبه بها ، وأَبَى أن يكلمها ، ولم يعرها أي اهتمام ، فازدادت حنقًا وغيظًا حيث فشلت في ما ندبت نفسها له ، فعمدت إلى طريقة أخرى ، ودبرت له مکيدة عظيمة
فتسامع الناس أن جريجًا العابد فخرجوا إليه ، وأمروه بأن ينزل من صومعته ، وهو مستمر في صلاته وتعبده ، فبدءوا بهدم الصومعة بالفئوس ، فلما رأى ذلك منهم نزل إليهم ، فجعلوا يضربونه ويشتمونه ويتهمونه بالرياء والنفاق ، ولما سألهم عن الجُرم الذي اقترفه ، أخبروه باتهام البغيّ له بهذا الصبي، وساقوه معهم ، وبينما هم في الطري فلما رآهن تبسّم ، ثم أمر بإحضار الصبي ، فلما جاءوا به طلب منهم أن يعطوه فرصة لكي يصلي ويلجأ إلى ربه ..
ولما أتم صلاته جاء إلى الصبي ، فطعنه في بطنه بإصبعه ، وسأله والناس ينظرون ، فقال له: من أبوك؟ فأنطق الله الصبي ، وتكلم بكلام يسمعه الجميع ويفهمه ، فقال : أبي فلان الراعي .
فعرف الناس أنهم قد أخطئوا في حق هذا الرجل الصالح، وأقبلوا عليه يقبلونه ويتمسحون به ، ثم أرادوا أن يكفّروا عما وقع منهم تجاهه ، فعرضوا عليه أن يعيدوا بناء صومعته من ذهب ، فرفض وأصرّ أن تُعاد من الطين كما كانت ، ولما سألوه عن السبب الذي أضحكه ، قال : ما ضحكت إلا من دعوة دعتها عليَّ أمي .
هذه هي قصة جريج كما رواتها لنا كتب السُّنَّة ، وهي قصة مليئة بالعبر والعظات تبين خطۏرة عقوق الوالدين وتركِ الاستجابة لأمرهما ، وأنه سبب لحلول المصائب على الإنسان ، وأن كل هذه المحڼ والابتلاءات التي تعرّض لها ذلك العبد الصالح ، كانت بسبب عدم استجابته لنداء أمه .
كما تؤكد هذه القصة على ضرورة الصلة بالله ومعرفته في زمن الرخاء ، وأن يكون عند الإنسان رصيد من عمل صالح وبر وإحسان ، ينجّيه الله به في زمن الشدائد والأزمات ، كما أنجى جريجًا وبرّأه من التهمة بسبب صلاحه وتُقاه