قصة جنتي علي الارض
انت في الصفحة 1 من 42 صفحات
الفصل الاول.
الصدمه الأولى ...هي دوما الأشد قساوه
جنه ...قبل سبع سنوات
في إحدى المستشفيات المتواضعه بمحافظة القاهره ترقد علياء الرفاعي و قد أنهكها المړض و بدل ملامحها من امرأه في منتصف الثلاثينيات مليئة بالحيويه و ذات جمال يضاهي جمال نجمات السينما إلى امرأه تبدو في الخمسينات من عمرها و قد نحل جسدها و سقط شعرها البني الجميل لكن ما زالت تحتفظ بتلك العينين الساحرتين بلون الشيوكولا أو كما اعتاد زوجها الراحل أن يصفهما كعيون غزال بري شارد.
و لكن هذه الجلسه مختلفه عن غيرها فالجلسات الماضيه كان لديها أمل كبير بأن تشفى و تسترد عافيتها أما اليوم و بعد أن أخبرها الطبيب بنتائج الأشعه و التي أظهرت أن المړض تقدم جدا و لم تفلح جلسات العلاج الكيميائي في دحر المړض عن جسدها الشاب.
فوالدها ټوفي قبل حتى أن يرى ابنته لتعيش يتميه الأب كما عاش والدها يتنقل من منزل لأخر بين أقاربه .. ذائقا مرارة اليتم.
يأتي صوت جنه من بعيد ليقطع عليها حبل أفكارها ها هي جنتها ذات الثلاثة عشر ربيعا تركض في الرواق باتجاه غرفتها و حالما دلفت جنه داخل الغرفه جلست على المقعد بجوار سريرها لټنفجر في بكاء شديد.
قالت علياء بحزم جنه .. احنا اتفقنا على ايه .. مش عايزه اشوفك بټعيطي .
سألت علياء باستغراب هتسافر فين و ليه
ردت جنه بأسى ما هو ده اللي هيقهرني مش عايزه تقولي هتسافر فين و لا ايه السبب سماح اللي لو كحت لازم تقولي ..دي مش بتخبي عني فتفوته بقى لما تسافر مش عايزاني اعرف ليه.
قالت علياء محاولة التخفيف عن ابنتها اهدي يا جنه مش يمكن أهلها محرجين عليها متجبش سيره لحد.
تنهدت علياء و قالت و الله مش عارفه أقلك ايه... يمكن ده مقلب من اللي بتعملهم معاكي.
قالت جنه نافيه لا يا ماما مستحيل..دي اتغيرت خالص.. عندك انهارده جيت أسألها هتسافر امتى عشان اجي اودعها قامت اتعصبت عليا و قالتلي ملكيش دعوه.
و قبل أن تنهي حديثها انهالت عليها جنه بالقبلات و الشكر قائلة متشكره اوي ياماما... ميرسي يا أحن أم فالكون.. ربنا ما يحرمني منك و على فكره انا انهارده عملالك أكله من كتر طعامتها هتاكلي صوابعك وراها...اكله تقيله هتاكليها من هنا و مش هتقدري تتحركي من مكانك.
ابتسمت علياء و ربتت على يد أبنتها ..طفلتها الناضجه..فعقلها أكبر من عمرها بسنوات فقد كانت تعرف تماما ما ترمي إليها ابنتها بحديثها عن تلك الاكله فمنذ بدء العلاج الكيميائي فقدت شهيتها تماما و إن غالبت نفسها لتأكل شيئا ينتهي بها المطاف مهرولة إلى دورة المياه لتستفرغ ما أكلته مما جعل جسدها هزيلا جدا.
عادت الابتسامه لشفتي ابنتها و فكرت ربما الوقت ليس مناسب لاخبارها بحالتها الصحيه المتدهوره خاصة بعد رؤيتها لتكدرها بسبب صديقتها سماح ربما ستتخبرها فقط بقرارها العوده للعيش في بيت والدها حسين الرفاعي فقد حادثته الليله الماضيه و أخبرته عن حالتها الصحيه و كما كانت تأمل رق قلب والدها و أخبرها بأنه ينتظر قدومها هي و صغيرتها للعيش في بيته من جديد.
تنهدت علياء و عادت لتصغي إلى ثرثرة ابنتها.
قالت جنه بحماسها الطفولي أنا جبت معايا الكتاب اللي قولتي لازم اقراه .. كتاب لا تحزن ..بقالي اسبوعين مستنيه عشان استعيره مالمكتبه.
قالت علياء مبتسمه طب يلا اقريلي شويه منه.
قالت جنه حاضر يا ماما.
جلست علياء مع ابنتها بعد عودتهن من المشفى لتخبرها عن انتقالهم للعيش في بيت جدها أخبرتها عن سبب القطيعه الذي دام لأكثر من خمسة عشر عاما فوالدها حسين الرفاعي ذو الغنى و الصيت كان معارضا لزواجها من والد جنه و كأي فتاه لم تكمل العشرين من عمرها رضخت لرغبة والدها التي أدت الى ارتباطها بابن شريكه في العمل و الذي أجبرها على ترك دراستها و لم يعترض والدها و للأسف زيجه كما بدأت بالمصالح انتهت أيضا بسبب تلك المصالح بعد خلاف والدها مع والد زوجها قام زوجها بتطليقها و الهجره للخارج حارما إياها من ابنها الذي
لم يكمل
ثلاث سنوات من عمره... و كم عانت من قسۏة والدها فما زالت تتذكر كلامته المعتاده كلما طالبته بأن يفعل شيئا ما ليعيد إليها ابنها.
حسين الرفاعي ده ابنه و ملزوم منه و بعدين مين اللي هيتقدملك و إنتي مربوطه بعيل من راجل تاني أنا عايزلك جوازه تشرف و تشفي غليلي من الندل ده و أبوه.
لتعيش بعد طلاقها في بيت يخلو من المشاعر فلا أحد يفهمها أو يشعر بحالها.. فزوجة أبيها لا تهمها سوى مصلحة ابنها.. وأخاها قد شرب من والدته كرهها و الحقد عليها دون أن تفهم سببا لذلك.
و في ذلك الوقت عاد والد جنه ليتقدم بطلب يدها من والدها و كما كانت علياء تتوقع رفض والدها مرة أخرى ... و كانت تلك نقطة التحول في حياة علياء فلقد خالفت رأي والدها و تزوجت بوالد جنه دون موافقته على هذا الزواج ..زواج أدى إلى تبرئه منها و قطيعه دامت سنوات ..سنوات حاولت إعادة الوصل بينهما لتلقى مع كل محاولة فشل ذريع إلى أن يأست .. و لكن الله استجاب لدعائها الليله الماضيه عندما حادثت والدها و أخبرته بمرضها...رق قلبه ..لذا عليها انتهاز هذه الفرصه بأسرع وقت.
قالت علياء بتصميم احنا لازم بكره نكون عند جدك فالبيت .
قالت جنه بفتور كده بسرعه و مدرستي و مذاكرتي و سماح ياماما أنا لسه معرفتش هتسافر فين.
قالت علياء جنه حبيبتي إنتي متعرفيش جدك و لا اللي حواليه..أنا خاېفه حد يأثر عليه تاني و يقسي قلبه عليا لكن لما يشوفك أنا متأكده إن قلبه عمره ما يقسى عليكي...عارفه لما حكتله عنك بكى يا جنه عارفه يعني ايه حسين الرفاعي يعيط ..عايز يشوفك ياجنه.. ضروري بكره نكون هناك.
سألت جنه طب و سماح.
قالت علياء مطمئنة ابنتها هاكلم والدتها بكره من بيت جدك متقلقيش احنا مش رايحين حته مقطوعه يلا يا حبيبتي احنا دلوقتي لازم نوضب حاجتنا و الأشياءالمهمه.
و مع إشراقة صباح اليوم التالي كانت علياء و ابنتها جنه على بوابة البنايه ينتظرن السائق الذي كلفه حسين الرفاعي بإحضارهما
إلى بيته.
و بالفعل لم تمض دقيقة على انتظارهن حتى حضر السائق..و استقلا السياره التي من وجهة نظر علياء ستوصل ابنتها إلى بر الأمان.
قالت جنه متوسلة معلش ياماما لو تقولي للسواق يمشي من طريق بيت سماح عايزه اطلع أودعها حتى لو هي مش عايزه تودعني أنا مقدرش اختفي كده من غير ما أقولها.
ربتت علياء على يد ابنتها قائلة بس كده حاضر يا حبيبتي.. المهم مش عايزاكي ترجعي معيطه.. اتفقنا
ابتسمت جنه و قالت اتفقنا يا أحن قلب فالدنيا.
أخبرت علياء السائق بالمرور من الشارع الذي تقطن به سماح و ما إن توقفت السياره أمام بيتها حتى انطلقت جنه مهروله دخلت البوابه لتصعد الدرجات قفزاو عندما وصلت إلى الشقه التي تقطن بها سماح..دقت جرس الباب لتفتح لها والدة سماح.
حيتها والدة صديقتها قائلة أهلا يا جنه.
ردت جنه ازاي حضرتك يا طنط.. ممكن أدخل أشوف سماح
قالت والدت سماح بامتعاض اتفضلي يا حبيبتي.
دخلت جنه الشقه و جلست في الصالة تنتظر قدوم سماح بعد دقائق خرجت سماح لتسلم عليها ببرود شديد.
قالت جنه برقه أنا عارفه إنك زعلانه و يمكن مخصماني و مش طايقاني و الحقيقه أنا مش فاهمه ليه و مش عايزه أزعجك و أقلك مالك و ايه سبب التغيير اللي حصللك أنا بس جايه عشان أودعك يمكن دي آخر مره أشوفك فيها ...ماما خلاص قررت أننا نروح نعيش مع جدي.
توقفت جنه عن الحديث منتظره رد فعل صديقتها ولكن لم تسمع سوى السكوت المطبق جوابا لها.
مسحت جنه بيدها دمعه سقطت من عينها نتيجه لهذه اللامبالاه من صديقتها الصدوقه ثم قالت عموما أنا هحاول إني مزعلش منك و أول ما استقر فبيت جدي هاكلمك من هناك يمكن تكون صفيتي من ناحيتي ده لو كان سبب اللي إنتي فيه حاجه عملتها و زعلتك مني بدون ما أقصد ..
نهضت جنه من مقعدها و قالت مش هتسلمي عليا قبل ما امشي !!!
مدت سماح يدها و صافحت جنه بنفس البرود الذي استقبلتها به.
لم تعد جنه تحتمل المزيد من جفاء صديقتها و في غضون ثوان كانت أمام البنايه تستعد مره أخرى للركوب بجوار والدتها في السياره... ولكن أوقفها صوت سماح التي نادتها جنه...جنه...
استدارت لترى سماح تهرول باتجاهها و مما زاد دهشتها عندما عانقتها سماح بشده و قالت بصوت يشوبه الكثير من الحزن أنا بحبك اوي يا جنه....أرجوكي متزعليش مني...ڠصب عني.
قالت تلك الكلمات بسرعه شديده و بنفس السرعه هرولت عائدة إلى بيتها ..دون أن تسمع ما قالته جنه أو ترى الدموع التي ملأت عينيها.
ظلت جنه شارده محتاره من تصرفات صديقتها حتى أوقظها صوت والدتها التي نادت قائلة جنه يلا اركبي مش عايزين نتأخر على جدك..زمانه قاعد مستنينا.
و بالفعل كان في الانتظار على بوابة الفيلا و عندما
نزلت جنه من
السياره ظن لثوان أنها علياء ابنته و قد عادت طفلة صغيره فالشبه بينهما كبير فقد ورثت جنه جمال والدتها الخلاب كلتاهما تتمع ببشره بيضاء صافيه ووجه بيضاوي تحتل الجزء الأكبر منه عينان بنيتان كبيرتان مع أنف دقيق وفم مكتنز و يتوج هذا الوجه شعر بني متموج تموجات رقيقه .
ولكن لم تدم فرحة جنه بالبيت و الجد و الأقارب فقد ټوفيت والدتها بعد فترة وجيزه من انتقالهم للعيش مع جدها ليتبعها جدها حزنا على ابنته و عدم مقدرته على تعويض قسوته عليها السنوات الماضيه.
و تركت في بيت يحمل لها الكثير من الكراهيه كراهيه كما حدث مع والدتها لا تعلم لها سببا